اشترط الفقهاء في القاضي عدة شروط ، منها ما يتعلق بالأهلية وما يتعلق بها من انعقاد ولايته وعزله أو اعتزاله ، ومنها ما يتعلق بآداب المهنة ومدى مسئوليته .

فقد اتفق الفقهاء على أن يكون القاضي مسلما ، عاقلا ، بالغا ، حراً .

واختلف الفقهاء في عدة أمور يرونها ملزمة للقاضي ومن شروطه، مثل : أن يكون أهلا لأداء الشهادة ، والذكورة ، والعلم والفطنة ، والعدالة.

الشروط الواجب توفرها في القاضي

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :

للقاضي أحكام كثيرة , منها ما يتعلق بشروط أهليته للقضاء , وأحكام انعقاد ولايته وعزله واعتزاله , ومنها ما يتصل بآداب مهنته , ومسئوليته , إلى غير ذلك من الأحكام التي ستبين تفصيلا فيما يلي :

أهلية القاضي : يشترط الفقهاء لصحة تولية القاضي شروطا معينة , ويتفقون فيما بينهم على اشتراط كون القاضي مسلما , عاقلا , بالغا , حرا . ويختلفون فيما عدا ذلك من الشروط على الوجه الآتي :

-يرى الحنفية أن من يصح توليته القضاء هو من يكون أهلا لأداء الشهادة على المسلمين , وشروط الشهادة هي : الإسلام والعقل والبلوغ والحرية , والبصر , والنطق , والسلامة عن حد القذف ، فلا يجوز تقليد الكافر والمجنون والصبي والعبد والأعمى والأخرس والمحدود في القذف ; لأن القضاء من باب الولاية , بل هو أعظم الولايات , وهؤلاء ليست لهم أهلية أدنى الولايات وهي الشهادة ; فلأن لا يكون لهم أهلية أعلاها أولى .

وأما الذكورة فليست من شروط جواز التقليد في الجملة ; لأن المرأة من أهل الشهادات في الجملة , إلا أنها لا تقضي في الحدود والقصاص , لأنه لا شهادة لها في ذلك , وأهلية القضاء تدور مع أهلية الشهادة .

وأما اشتراط علم القاضي بالحلال والحرام وسائر الأحكام فقد اختلف فقهاء الحنفية في ذلك , فيرى فريق أن هذا ليس بشرط لجواز التقليد , بل هو شرط ندب واستحباب ; لأنه يمكن أن يقضي بعلم غيره بالرجوع إلى فتوى غيره من العلماء , لكن مع هذا لا ينبغي أن يقلد الجاهل بالأحكام , لأن الجاهل قد يقضي بالباطل من حيث لا يشعر .

-ويرى فريق آخر أنه يشترط في القاضي أن يكون عالما بالكتاب والسنة واجتهاد الرأي , وقد ثبت ذلك بالنص والمعقول :

أما النص : فما روي عن النبي أنه ” لما بعث معاذا إلى اليمن قال له : كيف تقضي ؟ قال : أقضي بما في كتاب الله : قال : فإن لم يكن في كتاب الله ؟ قال : فبسنة رسول الله قال : فإن لم يكن في سنة رسول الله قال : أجتهد رأيي , قال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله ” .

وأما المعقول : فإن القاضي مأمور بالقضاء بالحق قال تعالى : ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ) , وإنما يمكنه القضاء بالحق إذا كان عالما بالكتاب والسنة واجتهاد الرأي ; لأن الحوادث ممدودة , والنصوص معدودة , فلا يجد القاضي في كل حادثة نصا يفصل به الخصومة , فيحتاج إلى استنباط المعنى من النصوص , وإنما يمكنه ذلك إذا كان عالما بالاجتهاد .

أما العدالة فليست بشرط لجواز التقليد لكنها شرط كمال فيجوز تقليد الفاسق وتنفذ قضاياه إذا لم يجاوز فيها حد الشرع , لأنه من أهل الشهادة فيكون من أهل القضاء .

ويرى المالكية أن شروط تولية القاضي أربعة :

أولها : أن يكون عدلا . والعدالة تستلزم الإسلام , والبلوغ والعقل والحرية وعدم الفسق .

ثانيها : أن يكون ذكرا .

ثالثها : أن يكون فطنا, والفطنة جودة الذهن وقوة إدراكه لمعاني الكلام.

رابعها : أن يكون عالما بالأحكام الشرعية التي ولي للقضاء بها ولو مقلدا لمجتهد على المعتمد , خلافا لخليل ( من فقهاء المالكية ) حيث اشترط أن يكون مجتهدا إن وجد وإلا فأمثل مقلد .

-ويجب عندهم أن يكون القاضي سميعا بصيرا متكلما فلا يجوز تولية الأعمى والأبكم والأصم .

واتصافه بتلك الصفات ابتداء ودواما واجب لكنها ليست شرطا في صحة التولية إذ ينفذ حكمه إن وقع صوابا مع فقد إحدى تلك الصفات , وفي فقد صفتين خلاف , أما في فقد الصفات الثلاث فلا ينفذ حكمه .

وذهب الشافعية إلى أن الشرائط المعتبرة في القاضي عشرة : الإسلام والحرية والذكورة والتكليف والعدالة والبصر والسمع والنطق والاجتهاد والكفاية اللائقة بالقضاء , وفسرها بعضهم بالقوة على تنفيذ الحق بنفسه فلا يولى مغفل ومختل نظر بكبر أو مرض أو نحو ذلك .

واشتراط العدالة عند الشافعية يقتضي أن الفاسق لا تصح ولايته , ولا ينفذ حكمه , ولا يقبل قوله لأنه لا تقبل شهادته فعدم قبول حكمه أولى , وإذا ولي الفاسق فالمذهب أنه لا ينفذ حكمه وقد حكى الغزالي أنه لا بد من تنفيذ أحكامه للضرورة لئلا تتعطل مصالح الناس .

أما الكتابة فالأصح عدم اشتراطها .

والاجتهاد هو العلم بالكتاب والسنة والإجماع والقياس وأقوال العلماء ولسان العرب .

أما الحنابلةفيشترطون كون القاضي بالغا عاقلا ذكرا حرا مسلما عدلا سميعا بصيرا متكلما مجتهدا , ولا يشترط كونه كاتبا لأنه كان أميا وهو سيد الحكام .

وشروط القضاء عند الحنابلة تعتبر حسب الإمكان , ويجب تولية الأمثل فالأمثل , وعلى هذا يدل كلام الإمام أحمد , فيولى عند عدم الأمثل أنفع الفاسقين وأقلهما شرا , وأعدل المقلدين وأعرفهما بالتقليد , وإلا لتعطلت الأحكام واختل النظام .

العمل في القضاء

القضاء في الإسلام له مكانته؛ إذ به تُقر الحقوق، ويرفع النزاع، وهو من ضرورات الدول المعاصرة.

ويجب على القاضي أن يحكم إن كان الحكم مستمدا من الشريعة الإسلامية أو لا يناقضها، ويجوز له الحكم بالقوانين المعاصرة في المسائل المستحدثة والتي لا تصطدم بالشريعة الإسلامية، فإذا ما كان الحكم مناقضا للشريعة أو يصطدم بها فله أن يمتنع عن الحكم .

هل يحكم القاضي وهو غضبان

من الأحاديث المشهورة في كتب الفقه وأصوله، حديث: “لا يقضي القاضي وهو غضبان”. ولكن إسناده إلى رسول الله قد صحّ بلفظ: (لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان).

وقد تبوأ هذا الحديث مكانة علمية متميزة، سواء من حيث البحث عن دلالته الفقهية، أو من حيث محاولة تنزيله على واقع الناس ومعاشهم فقهيا، وقضائيا، وتسييريا للشأن العام بصفة عامة.

وقد دل الحديث على أن علة منع القاضي من مزاولة مهنته للفصل بين المتخاصمين هو الغضب، من حيث هو موقف نفسي عاطفي، يشوش على الذهن والعقل، فيمنعهما من حسن النظر في القضية المطروحة على العدالة. كما يصدّ عن جودة تأمل الحجج المقدَّمة من قبل الأطراف المتنازعة، تحقيقا لمقصد العدل، الذي هو قيمة إنسانية كونية عليا، أكد عليها ديننا الإسلامي الحنيف. كما اعتبره الفقهاء طريقا لقياس مصلحي، أساسه إلحاق حكم المنع هذا، بنظائر فقهية متماثلة، بجامع تحقيق مقصد العدل، وتحريم الظلم.