أشار الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة إلى أنه لا يتقبل العمل الصالح إلا من المتقين فقال تعالى : {.. إنّما يَتَقبلُ اللهُ مِنَ المتّقينَ}. فجعل التقوى شرطا لقبول العمل الصالح ، وهذه التقوى لا تتحقق إلا بإخلاص النية لله تعالى ، وأن يكون العمل موافقا للشرع الذي أمر به الله تعالى .
قال الشيخ الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان :
وقوله في الآية الكريمة : ( الذين يعملون الصالحات ) الكهف/2 ، بيَّنت المراد به آياتٌ أخر فدلت على أن العمل لا يكون صالحاً إلا بثلاثة أمور :
الأول : أن يكون مطابقاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فكلُّ عملٍ مخالفٍ لما جاء به صلوات الله وسلامه عليه فليس بصالح ، بل هو باطل ، قال الله تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه … ) الحشر/7 ، وقال : ( ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ) النساء/10 ، وقال : ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) الشورى/21 ، إلى غير ذلك من الآيات .
الثاني : أن يكون العاملُ مخلِصاً في عمله لله فيما بينه وبين الله ، قال تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) البينة/5 ، وقال : ( قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين . وأمرت لأن أكون أول المسلمين . قل إني أخاف إن عصيتُ ربي عذابَ يومٍ عظيمٍ . قل الله أعبد مخلصاً له ديني . فاعبدوا ما شئتم من دونه ) الزمر/11 – 15 ، إلى غير ذلك من الآيات .
الثالث : أن يكون العملُ مبنيّاً على أساس الإيمان والعقيدة الصحيحة ؛ لأن العمل كالسقف ، والعقيدة كالأساس ، قال تعالى : ( من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ ) النحل/97 ، فجعل الإيمان قيداً في ذلك .
ويبين مفهوم هذا القيد آيات كثيرة ؛ كقوله في أعمال غير المؤمنين : ( وقدمنا إلى ما عملوا مِن عملٍ فجعلناه هباءاً منثوراً ) الفرقان/23 ، وقوله : ( أعمالهم كسرابٍ … ) النور/39 ، وقوله : ( أعمالهم كرمادٍ اشتدت به الريح … ) إبراهيم/18 ، إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم إيضاحه .
ويقول الشيخ محمد صالح المنجد:
إن العمل لا يكون عبادة إلا إذا كمل فيه شيئان وهما : كمال الحب مع كمال الذل ، قال الله تعالى : ( والذين آمنوا أشد حبا لله ) البقرة/165 ، وقال سبحانه : ( إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ) المؤمنون/57 ، وقد جمع الله بين ذلك في قوله : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) الأنبياء/ من الآية90 .
فإذا علم هذا فليعلم أن العبادة لا تقبل إلا من المسلم الموحد كما قال تعالى : ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) الفرقان/23 .
وفي صحيح مسلم ( 214 ) عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ قَال :َ لَا يَنْفَعُهُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ” يعني أنه لم يكن يؤمن بالبعث ، ويعمل وهو يرجو لقاء الله .

ثم إن المسلم لا تقبل منه العبادة إلا إذا تحقق فيها شرطان أساسيان :
الأول :
إخلاص النية لله تعالى : وهو أن يكون مراد العبد بجميع أقواله وأعماله الظاهرة والباطنة ابتغاء وجه الله تعالى دون غيره .
الثاني : موافقة الشرع الذي أمر الله تعالى أن لا يعبد إلا به ، وذلك يكون بمتابعة النبي فيما جاء به ، وترك مخالفته ، وعدم إحداث عبادة جديدة أو هيئة جديدة في العبادة لم تثبت عنه عليه الصلاة والسلام .
والدليل على هذين الشرطين قوله تعالى : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا ً) الكهف/من الآية110
قال ابن كثير رحمه الله : ” ( فمن كان يرجوا لقاء ربه ) أي ثوابه وجزاءه الصالح ( فليعمل عملا صالحا ) أي ما كان موافقا لشرع الله ( ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له وهذان ركنا العمل المتقبل لابد أن يكون خالصا لله صوابا على شريعة رسول الله .ا.هـ .