يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا –رحمه الله- إجابة عن سؤال مشابه :
الزنادقة الذين حاولوا العبث بدين الإسلام كما كان يفعل أمثالهم في الأديان الأخرى لما عجزوا عن زيادة حرف في القرآن أو نقص حرف منه ؛ لحفظه في الصدور والصحف أرادوا أن يشككوا بعض المسلمين فيه بشيء يضعونه عن لسان الصحابة الكرام فزعم بعضهم أن عكرمة قال : لما كتبت المصاحف عرضت على عثمان فوجد فيها حروفًا من اللحن فقال : ( لا تغيروها فإن العرب ستغيّرها ، أو قال : ستقرأها بألسنتها ، ولو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف) وفي لفظ آخر : ( أحسنتم وأجملتم ، أرى شيئًا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها، ولو كان المملي من هذيل والكاتب من قريش لم يوجد هذا ) .
ولما تصدى المحدثون رضي الله عنهم لنقد الحديث والأثر من جهة الرواية التي راج في سوقها الطيب والخبيث تبين لهم في هذا الأثر ثلاث علل : الانقطاع ، والضعف والاضطراب ؛ فهو لا يعوّل عليه لو كان في الحث على فضائل الأعمال فكيف يلتفت إليه في موضوع هو أصل الدين الأصيل وركنه الركين ؟ ومن يدري إن كان الساقط من سنده مجوسي أو دهري أو إسرائيلي ؟ على أن الكلمة التي نسبت إلى عثمان تدل على أن اللحن في الرسم ، وأنه لم يكن مما يشتبه في قراءته ؛ لأنه لا يحتمل في النطق وجهًا آخر ، كرسم الصلاة والزكاة والحياة بالواو مثلاً ( الصلوة الحيوة) ، ولكن الموسوسين حملوا ذلك على كلمات قليلة جاءت في المصحف على خلاف القواعد النحوية التي وضعها الناس لكلام العرب وتحكَّمُون بها عليهم ، ومن ذلك الآية التي أشار إليها السائل وهي قوله تعالى : [ لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ]( النساء : 162 ) وإنني لأعجب من دخيل في لغة قوم يتحكم عليهم في شيء يخترعه هو ويجعله أصلاً لها ، وأعجب من هذا أن يكون هذا التحكم على أصح شيء في اللسان فإن الذين يؤولون ما ورد عن بعض سفهاء الأعراب من الشعر المخالف للقواعد أو يكتفون بأنه صحيح – لأنه هكذا سُمع – يتوقفون في بعض الكلم من القرآن إذا رأوا أنها على خلاف القياس ، على أن علماء العربية خرجوا تلك الكلمات على ما يوافق قواعدهم من وجوه مذكورة في كتب التفسير وكتب النحو لا محل لها هنا.