1- سعيد بن المسيب : ابن حَزْن ، أبو محمد القرشي ، المخزومي ، عالم أهل المدينة ، وسيد التابعين في زمانه.
2- ولد ـ رحمه الله ـ لسنتين مضتا من خلافة عمر رضي الله عنه.نشأ في المدينة، وترعرع وتعلَّم به، وظلَّ فيها طوال حياته لم يفارقها أبدًا إلا لحجٍّ أو عمرة أو جهاد، وكانت المدينة وقتها عاصمة الخلافة، ودرة الأمصار الإسلامية، بها ثُلَّةٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه رضوان الله عليهم، فاستغنى سعيد بن المسيِّب بالمدينة عن غيره، وانقطع لمن بها من الصحابة والأعلام، فنهل من علومهم، واغترف من معين معارفهم.

3 – زوَّجه أبو هريرة رضي الله عنه من ابنته، واصطفاه بالرعاية والعناية، وحمل سعيد بن المسيِّب حديث أبي هريرة كلَّه، وهو الصحابيُّ الأكثر روايةً من بين الصَّحابة، كما اختصَّ سعيد بن المسيِّب بحديث ابن عمر رضي الله عنهما وحمل عنه علمَ أبيه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
4- عن سعيد بن المسيِّب ، أن جدَّه حزْناً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما اسمك ؟ قال : حزن . قال : بل أنت سهل . قال : يا رسول الله ، اسم سماني به أبواي ، وعُرفتُ به في الناس ، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، قال سعيد : فما زلنا تُعرَف الحزونة فينا أهل البيت.
5-كان ـ رحمه الله ـ ممن برَّز في العلم والعمل ؛ أما العلم : فإنه كان يسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد ، وكان يفتي والصحابة أحياء ، وصفه الإمام مكحول بعالم العلماء ، وقال ميمون بن مهران : أتيتُ المدينة فسألت عن أفقه أهلها ، فدفعت إلى سعيد بن المسيب ، وهذا يقوله ميمون مع لقياه لأبي هريرة وابن عباس.

6-عن يحيى بن حبان، قال: كان رأس المدينة في دهره، المقدَّم عليهم في الفتوى سعيد بن المسيِّب، ويُقال: فقيه الفقهاء. وقال قتادة: ما رأيتُ أحدًا أعلم بالحلال والحرام من سعيد بن المسيِّب.وكان أعلم الناس بقضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، حتى قال عن نفسه: “ما أحد أعلم بقضاء قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر وعمر مني”. وروي عنه كثير من كبار العلماء. وقد لفت تميزه في العلم والفقه نظر بعض الصحابة والتابعين حتى أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وجد رجلا سأله عن مسألة فقال له: إيت هذا فسله -يعني سعيدا- ثم أرجع إلي فأخبرني، ففعل ذلك وأخبره، فقال ابن عمر لمن حوله لما أخبر بإجابة سعيد معبرا عن إعجابه. وقال مالك: كان يُقال لابن المسيِّب: “راوية عمر”؛ فإنه كان يتبع أقضية عمر يتعلَّمها.

7 –قال الذهبي: قال الواقدي: كان سعيد بن المسيِّب من أعبر النَّاس للرُّؤي، أخذ ذلك عن أسماء بنت أبي بكر الصديق، وأخذته أسماء عن أبيها.

8 – كان سعيد بن المسيب إمامًا من كبار علماء الأمة، وممن جمع بين العلم والعمل، فلقد كان عابدًا ورعًا تقيًا مشهورًا بالمحافظة على صلاة الجماعة والصف الأول وتكبيرة الإحرام، عن ابن حرملة، عن سعيد بن المسيِّب، أنه قال: ما فاتتني الصلاةُ في جماعةٍ منذ أربعين سنة.  وعن عثمان بن حكيم، قال: سمعت سعيد بن المسيِّب، يقول: ما أذَّن المؤذن من ثلاثين سنة، إلا وأنا فى المسجد.  وعن عبد المنعم بن إدريس، عن أبيه قال: صلَّى سعيد بن المسيِّب الغداةَ بوضوء العتمة خمسين سنة، وقال ابن المسيِّب: ما فاتتني التكبيرةُ الأولى منذ خمسين، وما نظرتُ في قفا رجل في الصَّلاة منذ خمسين سنة، وحج أربعين حجة.
9- كان عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ لا يقضي بقضية ـ وهو أمير المدينة ـ حتى يسأل سعيد بن المسيب.
10- كان ـ رحمه الله ـ مضرب المثل في عزة النفس ، والصدع بالحق ؛ فكان لا يقبل عطايا الحكام ، ووقعت له معهم محن كثيرة ، وهو القائل : لا تملؤوا أعينكم من أعوان الظَّلمة إلا بإنكار من قلوبكم ؛ لكيلا تحبط أعمالكم.

11- كان سعيد له تجارة تدر عليه دخلا يكفيه ليعيش عيشة راضية، ولهذا لم يكن يأخذ عطاء من الدولة حجرا على رأيه، وتقييدا لحريته، وكان عنده من يقوم بأمر تجارته، فلا يشغله أمرها عن عبادته وعلمه، وكان يدعو إلى اكتساب المال عن طرقه المشروعة، ليتمكن من صلة الرحم وأداء الأمانة، وصيانة الكرامة، والاستغناء عن الخلق، ومما أثر عنه في ذلك قوله: “لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حله، يعطي منه حقه، ويكف به وجهه عن الناس.
12- خطب عبد الملك بن مروان ابنة سعيد لابنه الوليد فأبى عليه سعيد ، فامتحنه بالجلد والتعذيب ، فلم يستجب ، وزوَّجها لأحد طلبته ، لما توفيت زوجته ، وأتى بها إليه بنفسه ، وكانت من أجمل النساء ، وأحفظ الناس لكتاب الله ، وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأعرفهم بحق الزوج.
13- كان ـ رحمه الله ـ عالماً بتعبير الرؤى ، وكلامه حكم ومواعظ ؛ من جميل ما قال : لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حلِّه ، يعطي منه حقه ، ويكف به وجهه عن الناس.
14- توفي ـ رحمه الله ـ سنة أربع وتسعين من الهجرة .

15 – ثناءُ العلماء عليه: هذه بعض أقوال أهل العلم في الإمام سعيد بن المسيب:
– عن مكحول، قال: طفتُ الأرض كلَّها في طلب العلم، فما لقيتُ أحدًا أعلم من سعيد بن المسيِّب.
–  قال عليُّ بن المدينيِّ: لا أعلم في التابعين أوسعَ علمًا منه، هو عندي أجلُّ التابعين.
–  قال أحمد بن عبد الله العجليُّ: كان رجلًا صالحً، فقيهً، وكان لا يأخذ العطاء، وكانت له بضاعة أربعمائة دينار، وكان يتَّجر بها في الزيت، وكان أعور.
–  قال أبو زُرعة: مدنيٌّ قرشيٌّ ثقةٌ إمام.
–  قال أبو حاتم: ليس في التابعين أنبلُ من سعيد بن المسيِّب، وهو أثبتُهم في أبي هريرة.
– عن ميمون بن مهران، قال: أتيتُ المدينة فسألت عن أفقه أهله، فدُفعتُ إلى سعيد بن المسيِّب، فسألته.
– عن مكحول، قال: لما مات سعيد بن المسيِّب استوى الناس، ما كان أحدٌ يأنف أن يأتي إلى حلقة سعيد بن المسيِّب، ولقد رأيتُ فيها مجاهدًا وهو يقول: لا يزالُ الناس بخيرٍ ما بقي بين أظهرهم.
– قال أبو نعيم في ترجمته: فأمَّا أبو محمَّد سعيد بن المسيِّب بن حزن المخزوميُّ، كان من الممتحنين؛ امتُحن فلم تأخذه في الله لومةُ لائم، صاحبُ عبادة وجماعة، وعفَّة وقناعة، وكان كاسمه بالطاعات سعيدً، ومن المعاصي والجهالات بعيدًا.
-اتفق أهل العلم على قبول مرسلات سعيد بن المسيب والحكم عليها بالصحة، وتقف على سائر مرسلات التابعين، ومرسلات سعيد لها حكم الموصول والمرفوع.