أصحاب رسول الله (ﷺ) حَمَلة الرسالة للعالمين، ضحوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، ونصروا رسول الله (ﷺ) نصرًا عزيزًا مؤزرًا، وقد نهى (ﷺ) عن سب أصحابه فقال: “لا تسبوا أصحابي؛ فوالله لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه”.
واعتقاد عدالةِ الصحابة وفضلهم هو مذهبُ أهلِ السنة والجماعة ، وذلك لما أثنى اللهُ تعالى عليهم في كتابه ، ونطقت به السنَّةُ النبويةُ في مدحهم ، وتواتر هذه النصوص في كثير من السياقات مما يدل دلالة واضحة على أن الله تعالى حباهم من الفضائل ، وخصهم من كريم الخصال ، ما نالوا به ذلك الشرف العالي ، وتلك المنزلة الرفيعة عنده ؛ وكما أن الله تعالى يختار لرسالته المحل اللائق بها من قلوب عباده ، فإنه سبحانه يختار لوراثة النبوة من يقوم بشكر هذه النعمة ، ويليق لهذه الكرامة.
ما حكم من سب الصحابة:
لا يجوز لأحد أن يسب أصحاب رسول الله (ﷺ) أو أن يسخر منهم، أو أن يستهزأ بهم، فمن فعل ذلك فقد ارتكب إثمًا عظيمًا، وهو فاسق خارج عن الملة، إلا أن يتوب إلى الله عز وجل.
ثم كيف يليق بمسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، أن يسخر من حملة رسالة الإسلام؛ فلهؤلاء عظيم الفضل فيما نحن فيه من نعمة الإسلام، فهم الذين حملوا أرواحهم على أكفهم، وانطلقوا لا يبالون حرًا ولا قرًا ولا تعبًا ولا نصبًا في سبيل الله، وقطعوا البوادي والقفار، حتى أوصلوا هذه الرسالة –رسالة الإسلام- للعالمين، فجزاهم الله عن المسلمين خير الجزاء.
ومن هنا فقد حكم الأئمة الأعلام بكفر من سب أصحاب رسول الله (ﷺ) أو سخر منهم على الرأي الصحيح، وهناك من حكم بفسق هؤلاء، وعلى من فعل ذلك أن يبادر بالتوبة قبل فوات الأوان.
ومِنْ أحسن مَنْ فصَّل في هذه القضيَّة، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في آخر كتابه (الصارم المسلول على شاتم الرسول): حيث قال: “فأما من سب أحداً من أصحاب رسول الله ﷺ من أهل بيته وغيرهم: فقد أطلق الإمام أحمد أنه يُضْرَب ضرباً نكالاً، وتَوَقَّفَ عن كفره وقتله”.
وخير الأمة بعد النبي ﷺ: أبو بكر، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان بعد عمر، وعلي بعد عثمان، وهم خلفاء راشدون مهديون، ثم أصحاب رسول الله ﷺ بعد هؤلاء الأربعة خير الناس، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساويهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص، فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته.
هل يجوز سب صحابة رسول الله ﷺ:
اتَّفق الفقهاء على أنَّ من رأى أنَّ سب الصحابة جائز حلال شرعاً فإنّه يكفر لاعتقاده بذلك؛ إذ إن ذلك يُعتبر إنكاراً لأمرٍ معلومٌ من الدين بالضرورة وهو حبُّ الصحابة وتفضيلهم على سائر الخلق.
وكذلك الأمر في من سب الصحابة جميعاً أو سبَّ أكثرهم إلا نفراً يسيراً، أو سبَّ صحابياً واحداً فقط ما دام قد اعتقد بأن ذلك مباحٌ جائز.
يقول السبكي رحمه الله في الفتاوى: (إنّ سب الجميع بلا شك أنه كفر، وهكذا إذا سب واحدًا من الصحابة حيث هو صحابي؛ لأن ذلك استخفافٌ بحق الصحبة، ففيه تعرضٌ إلى النبي ﷺ، فلا شك في كفر الساب … ولا شك أنه لو أبغض واحدًا منهما – أي الشيخين أبي بكر وعمر – لأجل صحبته فهو كفر، بل من دونهما في الصحبة إذا أبغضه لصحبته كان كافرًا قطعًا).
ويقول ابن تيمية رحمه الله: (وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله ﷺ، إلاَّ نفرًا قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفسًا أو أنهم فسقوا عامتهم فهذا لا ريب في كفره؛ لأنّه مكذّب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضا والثناء عليهم، بل من يشكّ في كفر مثل هذا فإن كفره متعيّن).