الزيادة في العمر المذكورة في الحديث ،فسرها العلماء بمعان كثيرة، منها: أنه يقصد بذلك البركة في العمر، وفسرت بأنها زيادة حقيقية فيما عند الملك، بأن يقال له :عمر هذا ستون، فإن وصل رحمه فزده عشرين،هذا مع علم الله بما سيفعل الإنسان، أو يقصد بالزيادة الذكر الحسن، أو دعاء ولده له، أو نفي الآفات عن عقله وفهمه، وغير ذلك.
وقد ذكر ذلك كله الإمام ابن حجر العسقلاني في شرحه للبخاري ،فقال:
والأثر هنا بقية العمر قال زهير بن أبي سلمى الشاعر الجاهلي:
والمرء ما عاش ممدود له أمل لا ينتهي الطرف حتى ينتهي الأثر.
قال العلماء: معنى البسط في الرزق البركة فيه، وفي العمر حصول القوة في الجسد، لأن صلة أقاربه صدقة، والصدقة تربي المال وتزيد فيه فينمو بها ويزكو، لأن رزق الإنسان يكتب وهو في بطن أمه فلذلك احتيج إلى هذا التأويل، أو المعنى أنه يكتب مقيدًا بشرط كأن يقال إن وصل رحمه فله كذا وإلا فكذا، أو المعنى بقاء ذكره الجميل بعد الموت. وأغرب الحكيم الترمذي فقال: المراد بذلك قلة البقاء في البرزخ.
وقال ابن قتيبة: يحتمل أن يكتب أجل العبد مائة سنة وتزكيته عشرين فإن وصل رحمه زاد التزكية .
وقال غيره: المكتوب عند الملك الموكل به، غير المعلوم عند الله عز وجل، فالأول يدخل فيه التغيير. وتوجيهه أن المعاملات على الظواهر والمعلوم الباطن خفي لا يعلق عليه الحكم، فذلك الظاهر الذي اطلع عليه الملك هو الذي يدخله الزيادة والنقص والمحو والإثبات، والحكمة فيه إبلاغ ذلك إلى المكلف ليعلم فضل البر وشؤم القطيعة.
قال ابن التين: ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى : ( فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) والجمع بينهما من وجهين:
أحدهما: أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة، وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة، وصيانته عن تضييعه في غيره ذلك. ومثل هذا ما جاء أن النبي ﷺ تقاصر أعمار أمته بالنسبة لأعمار من مضى من الأمم فأعطاه الله ليلة القدر. وحاصله أن صلة الرحم تكون سببًا للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية، فيبقى بعده الذكر الجميل، فكأنه لم يمت.
ومن جملة ما يحصل له من التوفيق العلم الذي ينتفع به من بعده، والصدقة الجارية عليه، والخلف الصالح . .
ثانيهما: أن الزيادة على حقيقتها، وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر ، وأما الأول الذي دلت عليه الآية فبالنسبة إلى علم الله تعالى، كأن يقال للملك مثلاً : إن عمر فلان مائة مثلاً إن وصل رحمه، وستون إن قطعها. وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع، فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر، والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص وإليه الإشارة بقوله تعالى: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك، وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه البتة. ويقال له القضاء المبرم، ويقال للأول القضاء المعلق. والوجه الأول أليق بلفظ حديث الباب، فإن الأثر ما يتبع الشيء، فإذا أخر حسن أن يحمل على الذكر الحسن بعد فقد المذكور.
ويجوز أن يكون المعنى أن الله يبقي أثر واصل الرحم في الدنيا طويلاً فلا يضمحل سريعًا كما يضمحل أثر قاطع الرحم.
ومن هذه المادة قول الخليل عليه السلام ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين ).
وقد ورد في تفسيره وجه ثالث، فأخرج الطبراني في ” الصغير ” بسند ضعيف عن أبي الدرداء قال: ” ذكر عند رسول الله ﷺ من وصل رحمه أنسئ له في أجله، فقال: إنه ليس زيادة في عمره، قال الله تعالى: ( فإذا جاء أجلهم ) الآية; ولكن الرجل تكون له الذرية الصالحة يدعون له من بعده . وله في ” الكبير ” من حديث أبي مشجعة الجهني رفعه ” إن الله لا يؤخر نفسًا إذا جاء أجلها، وإنما زيادة العمر ذرية صالحة ” الحديث. وجزم ابن فورك بأن المراد بزيادة العمر نفي الآفات عن صاحب البر في فهمه وعقله. وقال غيره في أعم من ذلك وفي وجود البركة في رزقه وعلمه ونحو ذلك.