ورد فيما أخرجه البخاري في جزء له في رفع اليدين أن النبي كان يرفع يديه عند كل تكبيرة؛ فيجوز ذلك عملاً بعموم هذا الحديث إلا أن الغالب من سنته أنه كان يرفع يديه عند كل تكبيرة من قيام، وهذا يخرج رفع اليدين عند السجود والرفع منه، وقد أخرجه البخاري أيضًا في جزئه المذكور.
مواضع رفع اليدين:
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع :
مواضع رَفْع اليدين أربعة :
-عند تكبيرة الإحرام.
-عند الرُّكوعِ.
-عند الرَّفْعِ منه.
-إذا قام من التشهُّدِ الأول.
روى البخاري (737) ، ومسلم (391) – واللفظ له – عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ : ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” وأصح ما وقفت عليه من الأحاديث في الرفع في السجود ما رواه النسائي … ” ثم ذكر هذا الحديث .
وقد اختلف العلماء في الجمع بين حديث ابن عمر الذي ينفي فيه الرفع في السجود ، وبين حديث مالك بن الحويرث ، وحديث أنس ، وما روي في معناهما مما يفيد الرفع في السجود :
– فذهب بعضهم إلى أن النبي ﷺ كان يرفع أحيانا ، ولكن كان أكثر حاله على عدم الرفع .
-وقد ذكر ابن رجب رحمه الله بعض الروايات التي فيها الرفع في السجود ثم قال : ” ويجاب عن هذه الروايات كلها ، على تقدير أن يكون ذكر الرفع فيها محفوظا، ولم يكن قد اشتبه بذكر التكبير بالرفع بأن مالك بن الحويرث ، ووائل بن حجر : لم يكونا من أهل المدينة ، وإنما كانا قد قدما إليها مرة أو مرتين ، فلعلهما رأيا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل ذَلِكَ مرة ، وقد عارض ذَلِكَ نفي ابن عمر، مع ملازمته للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشدة حرصه على حفظ أفعاله واقتدائه به فيها ، فهذا يدل على أن أكثر أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ ترك الرفع فيما عدا المواضع الثلاثة والقيام من الركعتين ، وقد روي في الرفع عندَ السجود وغيره أحاديث معلولة ” .انتهى من “فتح الباري” لابن رجب.
-وقال السندي رحمه الله :
” الظاهر أنه كان يفعل ذلك أحيانا ويترك أحيانا ، لكن غالب العلماء على ترك الرفع وقت السجود ، وكأنهم أخذوا بذلك بناء على أن الأصل هو العدم ، فحين تعارضت روايتا الفعل والترك : أخذوا بالأصل . ” انتهى .
– وذهب الأكثرون إلى ترجيح عدم الرفع ؛ لأنه المحفوظ رواية ودراية ، وحكموا على روايات الرفع بالشذوذ ، وأن الراوي أخطأ فذكر الرفع بدل التكبير ؛ لأن الصحيح أن النبي ﷺ كان يكبر في كل خفض ورفع ، كما في البخاري، ومسلم .
وجه الجمع بين أحاديث رفع اليدين بين السجدين:
سئل علماء اللجنة :
ورد بعض الأحاديث برفع اليدين بين السجدتين وفي بعضها نهي عن الرفع بينهما، فما وجه الجمع بينهما ؟
فأجابوا : ” سلك بعض العلماء مسلك الترجيح في ذلك ؛ فرجحوا ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما من عدم رفع اليدين عند السجود والرفع منه، واعتبروا رواية الرفع فيهما شاذة لمخالفتها لرواية الأوثق .
وسلك آخرون مسلك الجمع بين الروايات لكونه ممكنا فلا يعدل عنه إلى الترجيح ، لاقتضاء الجمع العمل بكل ما ثبت ، واقتضاء الترجيح رد بعض ما ثبت وهو خلاف الأصل . وبيان ذلك أن النبي ﷺ رفع يديه في السجود والرفع منه أحيانا ، وتركه أحيانا فروى كل ما شاهد .
والعمل بالأول أولى للقاعدة التي ذكرت معه ” انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
وإذا كان ابن عمر – رضي الله عنهما – وهو الحريص على تتبع فعل الرسول عليه الصلاة والسلام ، وقد تتبعه فعلا ، فرآه يرفع يديه في التكبير، والركوع، والرفع منه، والقيام من التشهد الأول ، وقال: “لا يفعل ذلك في السجود.
فهذا أصح من حديث أن النبي ﷺ “كان يرفع يديه كلما خفض وكلما رفع”، ولا يقال: إن هذا من باب المثبت والنافي، وأن من أثبت الرفع فهو مقدم على النافي في حديث ابن عمر ، رضي الله عنهما ؛ لأن حديث ابن عمر صريح في أن نفيه ليس لعدم علمه بالرفع ، بل لعلمه بعدم الرفع ، فقد تأكد ابن عمر من عدم الرفع ، وجزم بأنه لم يفعله في السجود ، مع أنه جزم بأنه فعله في الركوع ، والرفع منه ، وعند تكبيرة الإحرام ، والقيام من التشهد الأول.
فليست هذه المسألة من باب المثبت والنافي التي يقدم فيها المثبت لاحتمال أن النافي كان جاهلا بالأمر، لأن النافي هنا كان نفيه عن علم وتتبع وتقسيم ، فكان نفيه نفي علم ، لا احتمال للجهل فيه فتأمل هذا فإنه مهم مفيد ” انتهى من ” مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين” .
والراجح من القولين – والله أعلم – هو القول بعدم الرفع ، وعليه أكثر أهل العلم ، لكن من ترجح عنده ثبوت رواية الرفع ، وأخذ بالقول الأول ، ورفع أحيانا : فلا ينكر عليه ؛ فهي مسألة اجتهادية .