يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله عليه:
قد علم حكمة الشارع في جعل المواقيت الدينية مما يشترك في معرفته العامة والخاصة ، وعلم أيضًا أن اتفاق المسلمين في كل قطر من الأقطار على هذه المواقيت ممكن ، ولا أرى كثرة الخلاف في رؤية الهلال من أهل البلاد المتجاورات إلا بسبب استحلال الكذب أو الاستهانة في الشهادة برؤية هلال رمضان ، بحيث يشهدون بتوهم الرؤية، لا سيما في بلاد يكرمون فيها أولئك الشهود .
وأذكر أنني رأيت في بعض السنين الشمس قد غربت كاسفة ثم شهد رجلان – أظن فيهما العدالة – بأنهما رأيا الهلال فحكم القاضي بشهادتهما في الدعوى التي جرت البدعة الذميمة بها في إثبات شهري الصيام والإفطار وصام الناس، ولا شك أنهما كانا كاذبين في شهادتهما ؛ إذ لا معنى لغروب الشمس كاسفة إلا غروبها مع القمر، ولا أزال ألتمس لهما العذر بأنهما لكثرة التحديق تخيلا أنهما رأيا الهلال فشهدا بالتوهم .
اعتبار رؤية الهلال في المواقيت الدينية
وحاصل القول أن اعتبار رؤية الهلال في المواقيت الدينية لازم متعين وهو لا يجب في الأمور الدنيوية ، وإذا دقق الحكام فإنهم يمنعون الخلاف إلا قليلاً ، وإن الاختلاف في الرؤية لا يقتضي من الخلاف في إثبات الشهور القمرية بالرؤية أو إكمال العدة أكثر مما يقتضيه الاعتماد على التقاويم فإننا نرى التقاويم التي تطبع في مصر كل عام تختلف في إثبات هذه الشهور .
قرار مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية حول رؤية الهلال
فيما يلي ما جاء في المؤتمر الثالث لمجمع البحوث الإسلامية خاصًّا بهذا الموضوع :
أ. يُقَرِّر المؤتمر ما يلي :
1. إن الرؤية هي الأصل في معرفة دخول أي شهر قمري كما يدل عليه الحديث الشريف، فالرؤية هي الأساس. لكن لا يُعْتَمَد عليها إذا تمكَّنت منها التهَم تمكنًا قويًّا.
2. يكون ثبوت رؤية الهلال بالتواتُر والاستفاضة، كما يكون بخبر الواحد ذكرًا كان أو أنثى، إذا لم تتمكَّن التهمة في إخباره لسبب من الأسباب. ومن هذه الأسباب مُخالفة الحساب الفلكي الموثوق به الصادر ممن يُوثَق به.
3.خبر الواحد مُلْزِم له ولمَن يَثِق به، أما إلزام الكافة فلا يكون إلا بعد ثبوت الرؤية عند مَن خصَّصته الدولة الإسلامية للنظر في ذلك.
4. يُعْتَمد على الحساب في إثبات دخول الشهر إذا لم تتحقق الرؤية ولم يتيسر الوصول إلى إتمام الشهر السابق ثلاثين يومًا.
ب. يرى المؤتمر أنه لا عبرة باختلاف المطالع وإن تباعدت الأقاليم ، متى كانت مُشْتَرِكة في جزء من ليلة الرؤية وإن قل ، ويكون اختلاف المطالع مُعْتَبَرًا في الأقاليم التي لا تشترك في جزء من هذه الليلة .
ج. يَهِيب المؤتمر بالشعوب والحكومات الإسلامية أن يكون في كل إقليم إسلامي هيئة إسلامية يُناط بها إثبات الشهور القمَرية، مع مُراعاة اتصال بعضها ببعض، والاتصال بالمراصد والفلَكِيِّين الموثوق بهم.