اختلف العلماء في مسألة رؤية المصطفى لله عز وجل في رحلة الإسراء والمعراج.
فمن أجاز ذلك اعتمد على ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي ﷺ رأى ربه ليلة المعراج، ومن نفى ذلك ذهب إلى أن النبي ﷺ رأى نوراً وهو الحجاب.
كما روى مسلم في الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قد سألته – أي عن رؤيته لربه – فقال: “رأيت نوراً “.
وفي مسلم أيضاً من حديث أبي ذر قال: سألت رسول الله ﷺ هل رأيت ربك ؟ قال: ” نور أنى أراه ” أي كيف أراه !
وقد دل على أن النور هو الحجاب قوله ﷺ فيما رواه مسلم: ” إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.
وسبحات وجهه، أي: نوره وجلاله وبهاؤه.
يقول الشيخ عطية صقر ـ رحمه الله تعالى- :
اتفق علماء الكلام على أن الله سبحانه يجوز أن ينكشف لعباده انكشافًا علميًا تامًا بأن يخلق الله فيهم علمًا تامًا ضروريًا بذاته، كما اتفقوا على أن الرؤية الحاصلة بين الحوادث لبعضهم في الدنيا تكون في مكان وجهة وبارتسام صورة المرئي في العين، لكنهم اختلفوا في رؤية ذات الباري بدون مقابلة وجهة ولوازم الرؤية للشاهد، فقال أهل السنة ممكنة وقال غيرهم غير ممكنة.
واستدل أهل السنة بقول الله تعالى في شأن طلب موسى لرؤيته (قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) [الأعراف: 142] حيث قالوا: لو لم تكن ممكنة لما طلبها موسى، وأن الله علقها على ممكن وهو استقرار الجبل.
وقال غيرهم إن الله نص على ذلك بقوله (لن تراني) وهو نفي يفيد التأبيد كما يقولون. وكذلك بقوله (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) [الأنعام: 103].
ومناقشة الأدلة محلها كتب الكلام والتفسير.
وهذا الخلاف هو في الدنيا -أما رؤيته في الآخرة، فقد جاء فيها قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة* إلى ربها ناظرة) [القيامة: 22، 23] وعليها حمل قوله تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) [يونس: 26] فالزيادة هي رؤيته سبحانه في الجنة، وفي حديث البخاري ومسلم أن الناس يرون ربهم يوم القيامة كالشمس لا شك فيها وكالقمر ليلة البدر لا شك فيه وروى الحديث عن أكثر من عشرين صحابيًا من كبار الصحابة.
وهي كلها رؤية بدون كيف ولا انحصار، وقد رأى الرسول ربه ليلة المعراج، لأنه كان في حالة غير عادية حيث كيفه الله تكييفًا خاصًا اخترق به السموات ولم تؤثر فيه قوانين الأرض والسماء، ولم يكن عند سيدنا موسى هذا الاستعداد فلم يستطع رؤيته.
والرؤية في الآخرة ممكنة وواقعة لأن قوانينها غير قوانين الدنيا وقد أفاض القسطلاني في “المواهب اللدنية” والزرقاني شارحها – في الكلام على الرؤية وبخاصة رؤية النبي لربه ليلة المعراج، وأعجبني ما ختم به البحث من نقل قول القرطبي في “المفهم” شرح صحيح مسلم، وهو التوقف في هذه المسألة، وعزاه لجماعة من المحققين، وقواه بأنه ليس في الباب دليل قاطع، وغاية ما استدل به الطائفتان -المجيزة والمانعة- ظواهر متعارضة قابلة للتأويل. قال: وليست المسألة من العمليات -غير العقائد- فيكتفي بالأدلة الظنية، وإنما هي من المعتقدات فلا يكتفي فيها إلا بالدليل القطعي. أ هـ.