يقول الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر – رحمه الله تعالى – :
من المعلوم أن الإسلام بما جاء به من قرآن وحديث يحقق الهدف الذي نص عليه في عدة مواضع، وهو إخراج الناس من الظلمات إلى النور وهدايتهم إلى الصراط المستقيم وهذه الهداية شاملة لكل الأنشطة التي تحقق السعادة في الدارين، وكاملة لا تحتاج إلى إضافات لأصولها التي تتحقق بها صلاحيتها لكل زمان ومكان.
ولبيان منهج الإسلام في رعاية الشباب لا بد من معرفة أن الشباب – سواء أكان هذا اللفظ جمعًا لمفرد هو شاب، أم مصدر الفعل شب – يتصل بمرحلة من عُمر الإنسان هي الحد المتوسط بين الطفولة الضعيفة الساذَجة والشيخوخة المتميزة بخصائصها التي تُشبه إلى حد كبير مرحلة الطفولة عند الكثيرين.
ومرحلة الشباب تتميَّز بالتفتح الذهني والقوة البدنية وخِصب العاطفة، والأمل الواسع والحرص الشديد على الأخذ من كُل ألوان الحياة بأكبر نصيب.
والشباب بهذه الميْزات قوة لا تعد لها قوة في إخصاب الحياة ونموها إذا أُحسن استغلاله، والشبان في كل العصور والبيئات موضع الفخر والاعتزاز للأفراد والجماعات.
ومن هنا كان من أوجب الواجبات أن يُستغل استغلالًا طيبًا، فتنبه العقلاء إلى ذلك وجاءت الأديان مُشجعة على الإفادة من هذه القوة الكبيرة، وكان للإسلام القدح المُعلى في هذا الميدان، ووُضِعت كتب في التربية من أجل ذلك، ويهمنا أن نُبين القواعد الأساسية لهذه التربية ونلخصها في النقاط التالية:ـ
ما معنى التربية الشمولية:
لا بد أن تكون تربية الشباب أو رعايتهم شاملة للجسم والعقل والخُلق والروح، فهي كلها متضامنة في تحديد معالم الشخصية للشباب وتوجيه السلوك.
وفي الحديث “إنَّ لربِّك عليك حقًّا ولبدنك عليك حقًّا” والذِي يَرجع إلى موضوع الرِّياضة في الإسلام يتبيَّن له ذلك بوضوح.
وخير نموذج لتكامل الرعاية وصية لقمان لابنه التي سجَّلها القرآن الكريم، فهي شاملة للعقيدة التي لا تُشْرِك مع الله شَيئًا، وبِر الوالدين كرمْز لشكر المُنعم، ورقابة الله الذي يعلم السر وأخفى، وتوثيق العلاقة بالله عن طريق الصلاة، وكذلك العلاقة بين الناس بنشر العلم، مع التذرُّع بالصبر في مجال الكفاح، والمعاملة بالتواضع ولين الجانب والأدب والحياء والسكينة والوقار (سورة لقمان:13-19).
ما هي مجالات رعاية الشباب:
يجب أن تحظى الرعاية العقلية والخُلُقية والروحية بقدر كبير من العناية؛ لأنها ستجر إلى الرعاية البدنية، وهي صمام أمْنٍ يقي الشباب المخاطر، ونورٌ كاشف يضيء له الطريق، وفي الحديث الذي رواه الترمذي “ما نحل والد ولده من نحل أفضل من أدب حَسَن
والشاب المستقيم في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، كما في حديث البخاري ومسلم. ولذلك كانت استقامة السلوك للأولاد هي موضع طلب الأنبياء من الله عندما سألوه الذرية، كما قال إبراهيم (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)(سورة الصافات:100) وكما قال زكريا (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) (سورة آل عمران:38).
ضرورة التبكير بالتربية:
يجب أن تبدأ الرعاية من وقت مبكر ليتعودها الطفل ويشِبَّ عليها، فمن أدَّب ولده صغيرًا سُر به كبيرًا كما قال ابن عباس.
التعاون في تربية الشباب:
والتعاون على هذه الرعاية واجب، فهي عِبء ثقيل ينوء به فرد واحد أو جهة خاصة، وألوانها الكثيرة تحتاج إلى تخصصات ودرايات كاملة، وهي كلها متضافرة في التأثير على السلوك، فالبيت والمدرسة والنوادي والساحات والمُنظمات ودور اللهو والصحافة والمناهج والنظم وخط السير الاقتصادي والاجتماعي كل هؤلاء لا بد من تعاونهم على هذه المهمة، والتقصير في بعضها سيؤثر حتمًا على النتيجة المرجوة.
ولا بد من أمرين هامين في هذه المهمة الجماعية:
أولهما إخلاص كل جِهة في تنفيذ ما يخصها.
وثانيهما : الشعور بالروح الجماعية وانعدام الأنانية واللامبالاة.
هذه هي الخطوط الأساسية لرعاية الشباب على ضوء الإسلام، فهل يسير على نهجها كل من يتشوَّف أو يسارع إلى الاشتراك في هذه المهمة الجليلة؟