خدمة المرأة في بيت زوجها ليست استعبادا وقد خدمت فاطمة في بيت علي، وخدمت أمهات المؤمنين في بيت رسول الله ـ ﷺ ـ وبخاصة لو كانت في بيئة من عادة الناس أن تقوم المرأة برعاية شئون بيتها وأولادها وزوجها ..
يقول الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى -: الواجب على الزوجة السمع والطاعة لزوجها، وأن تعاشره بالمعروف كما يعاشرها بالمعروف، قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] وقال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228].
فالواجب عليها السمع والطاعة في الفراش، وحاجته إلى نفسها، والواجب عليها أيضًا خدمته الخدمة المعتادة التي يخدم مثلها مثله، فإذا كانت يخدم مثلها؛ فعليه أن يخدمها، وإذا كان مثلها لا يخدم في عرف بلادهم أنهم يخدمون أزواجهم؛ وجب عليها أن تخدمه؛ لأن هذه مسائل عرفية الرسول ﷺ أطلقها والقرآن أطلقها وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228].
فإذا كانت من بيت يخدم نساؤه، ولا يخدمون؛ أخدمها مع القدرة، وإذا كانت في عرفهم أنها تخدم زوجها، وتقوم بحاجة البيت من الطبخ وغيره؛ فعليها أن تقوم بذلك، وكان أزواج النبي ﷺ يخدمونه في البيت، يخدمونه ﷺ في بيته، ويقدمون له الطعام، والحاجات، وهن أشرف النساء، رضي الله عنهن وأرضاهن.
هل المرأة ملزمة بالعمل في بيت زوجها:
يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة جامعة الأزهر:
زعم البعض أن عمل المرأة في منزل الزوجية نوع من العبودية، وهذا الزعم لا أساس له من الصحة، ولا وجود له إلا في ذهن صاحبه، فإن الإسلام لم يفرض على المرأة القيام بالعمل في منزل الزوجية، وليس عملها به حقًا قرره الشارع للزوج عليها، وإنما ذلك متروك لها تبعًا لعادة قومها في ذلك.
ولهذا قال جمهور الفقهاء، إن عقد الزواج للعشرة الزوجية، لا للاستخدام وبذل المنافع، فليس من مقتضاه خدمة البيت والقيام بشئونه، إذ ليس في أدلة الشرع ما يلزم المرأة بخدمة زوجها وأولادها وبيتها، ولهذا أوجب جمهور الفقهاء لها على زوجها نفقة خادم تقوم على أمر البيت الذي تسكنه الزوجة، إذا كان الزوج موسرًا، وكانت الزوجة ممن تخدم في بيت أهلها، أو كانت مريضة، بل إنها إذا احتاجت إلى أكثر من خادم لهذا الغرض، لزم الزوج نفقتهم عند فقهاء المالكية .
وإذا كانت المرأة من مجتمع جرى عرف من فيه على أن تهتم الزوجة ببيت زوجها، فقامت المرأة بشئون بيت الزوجية، فليس في ذلك عبودية أو سخرة أو إذلالاً للمرأة، أو غير ذلك من الألفاظ الفخمة التي يتشدق بها بعض كليلي البصر، إذ المرأة إذا قامت بذلك، فإنما تقوم به بمحض اختيارها، لا إجبار عليها من أحد، وهي مع هذا مأجورة عليه.
عمل أمهات المؤمنين والصحابيات في بيوتهن:
حسبنا في هذا أن فضليات النساء قمن على شئون بيوت أزواجهن، ولم يرين في ذلك عبودية أو نحوها، من هؤلاء أمهات المؤمنين وبعض الصحابيات:
-فهذه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها كانت تقوم بجمع النباتات الطبية ونحوها مما كان يوصف لمرض رسول الله ـ ﷺ ـ، وتجهيزها في دواء مركب ليتدواى به، ولهذا استعجب عروة بن الزبير من علمها بالطب، فسألها عن ذلك، فقالت: “أي عرية، إن رسول الله ﷺ كان يسقم عند آخر عمره أو في آخر عمره، فكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه، فتنعت له الأنعات، وكنت أعالجها له، فمن ثم
وقد كانت تغسل ثياب رسول الله ـ ﷺ ـ فقد روي عنها أنها قالت: ” كنت أغسل المني من ثوب رسول الله ﷺ، ثم يخرج إلى الصلاة وأثر الغسل في ثوبه بقع الماء”.
-وهذه زينب بنت جحش، لم تقتصر على القيام بأعمال البيت المعتادة بل قامت بدبغ الجلد وصبغ الثياب ونحو ذلك، وهي أعمال لا تقوم بها النساء في زماننا، فقد روي جابر أن رسول الله ﷺ ـ ” رأى إمرأة فأتى أمرأته زينب وهي تمعس منيئة لها، فقضي حاجته ثم خرج إلى أصحابه، والمعس هو الدلك، والمنيئة هي الجلد أو ما يوضع في الدباغ
-وروي عن امرأة من بني أسد قالت: “كنت يومًأ عند زينب امرأة رسول الله ﷺ ـ ونحن نصبغ ثيابنا بمغرة” والمغرة” صبغ أحمر، كما قامت زينب بصنع الطعام لرسول الله ـ ﷺ ـ وبعثت به إليه في صفحة مع خادم لها وهو في بيت عائشة، التي ضربت يد الخادم، فأوقع الصفحة فانكسرت.
فلم يكن عمل نساء النبي ـ ﷺ ـ في بيته نوعًا من العبودية أو الإذلال، إذ كان رفيقًا بهن، حتى لقد كان يكفيهن مؤنة بعض الأعمال في البيت، فقد كان يخيط ثيابه، ويخصف نعله، ويحلب شأته، وكان يقول: “خيركم خيركم لأهله” وأنا خيركم لأهلي”.
-وكانت سيدة نساء العالمين، فاطمة الزهراء تقوم على رعاية بيت على بن أبي طالب والعمل فيه، حتى مجلت يداها وتورمت وتهتكت راحتاها من كثرة معالجة الرحي بهما، فذهبت إلى رسول الله ﷺ تشكو إليه ما تلقي في يديعها من الرحي، عله يأذن لها بمن يساعدها في خدمة البيت من السبي، إذ روي أنها وزوجها أتيا إلى رسول الله ﷺ” فقال علي: ” يا رسول الله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة: قد طحنت حتى مجلت يداي، وقد جاءك الله بسبي وسعة، فأحمنا، فقال ﷺ: والله لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوي بطونهم من الجوع، لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيعهم وأنفق عليهم اثمانهم، فرجعا”.
فلم يكن عمل الزهراء في بيت زوجها عبودية، وإلا لأنكر رسول الله ﷺ على زوجها ذلك، خاصة وأن عملها في بيت زوجها ترك أثارًا مؤلمة على يديها، ولكن رسول الله ﷺ لم ير في عملها الشاق في بيت زوجها عبودية، ولم يمنعها من العمل فيه، بعد أن لم يستجب لما طلبت منه.
وقد كانت زوجات الصحابة يعملن في بيوت أزواجهن أعمالاً شاقة مضنية، ولم يعتبرن هذا عبودية لهن، ومن هؤلاء:
-“أسماء بنت أبي بكر التي قالت: “تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه واستقي الماء وأعجن… وكنت أنقل النوي من أرض الزبير التي اقطعه رسول الله ﷺ على رأسي، وهي مني على بعد ثلثي فرسخ “.
فذات النطاقين كانت ترعى شئون بيت زوجها، فكانت تدق النوي وتعلف به الفرس والبعير، وتنقل الماء من البئر، وتحزر قربة الماء وتعجن وتنقل النوي من أرض الزبير التي هي على بعد أربعة كيلو مترات من المدينة، لتقطع ثمانية كيلو مترات ذهابًا، ثم إيابًا حاملة هذا النوي وقد رأها الرسول ـ ﷺ ـ وهي حاملة هذا النوي فأقرها على صنيعها هذا، وهذا دليل على عدم العبودية في قيام المرأة بذلك.
بل هو أمر مشروع اقتصته ظروف الحياة، وتوزيع الأدوار بين الرجل والمرأة، في رحلة الحياة، حيث يعمل الرجل ويكد لكفاية زوجته وأولاده، وترعى الزوجة شئون بيت الزوجية التي هي راعية فيه، وهي مسئولة عن أمنه واستقراره واستقامة الحياة فيه، فهي مسئولية شرعية، رتبها الشارع عليها، وليس في الامتثال لشرع الله تعالى عبودية لأحد من الخلق.