قسَّم العلماء النفوس إلى ثلاثة أقسام
الأولى: هي المطمئنة: قال تعالى: “يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعَي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيةً مَرْضِيَّة”.
الثانية:هي النفس اللوامة: قال تعالى:”لا أقسم بيوم القيامة * ولا أقسم بالنفس اللوامة”، وهي التي تلوم حالها كل ما وقعت في معصية، فالحرب سجال، فمرة تنتصر راية الرحمن في قلبه على وساوس الشيطان، وتارة تغلب شهوته ووساوسه،
الثالث: هي النفس التي رفعت الراية البيضاء للشيطان يعبث بها، كيف يشاء، وهيالنفس الأمارة بالسوء قال تعالى:”إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوء”.
فالندم علامة صحة “الندم توبة” كما جاء في هدي رسول الله -ﷺ-، فمن يجد حرقة ولوعة وقشعريرة في نفسه يكون دليل صحوة وحرص على أن ينتصر على وساوس الشيطان ونزواته، فنوصي من وجد ذلك أن يتلمس الصحبة الصالحة التي تعينه على الخير، للحديث الشريف “المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل”.
والشاعر يقول:
لا تربط الجرباء قرب صحيحة خوفي على تلك الصحيحة تجرب
والرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، فأوصاه العالم بأن يترك الأرض التي عمل فيها السيئات ويذهب إلى قرية كذا، فإن فيها أناسًا صالحين، يعبدون الله.
ما هو البرزخ
هو ما بين وضع الإنسان في قبره إلى أن تقوم الساعة هذا هو البرزخ، فالذين وضعوا في قبورهم في عهد آدم وبعده، هم في البرزخ إلى الآن، إلى يوم القيامة، وهكذا من بعدهم، وهكذا في يومنا من مات الآن صار إلى البرزخ، ويستمر في ذلك إلى أن تقوم الساعة.
فالبرزخ ما بين موتك، وما بين قيام الساعة، وهكذا ما بين موت الناس إذا قامت القيامة، ومات الناس هم في برزخ حتى يبعثوا، فإذا بعثوا انتهوا من البرزخ، وتوجهوا للحساب.
ما هو سبب الشقاء في الدنيا
ليس في الدنيا والآخرة من شر وشقاء إلا وسببه الذنوب والمعاصي:
1- المعاصي تزيل النعم وتجلب النقم:
فما زالت عن العبد نعمة وما حلَّت به نقمة إلا بذنب قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].
2- المعاصي سبب الأوجاع والطواعين والأمراض التي لم تكن في السابقين:
قال النبي ﷺ: (خمس إذا ابتُليتُم بهنَّ – وأعوذ بالله أن تُدركوهنَّ – لم تَظهر الفاحشة في قوم قط حتى يُعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا…)؛ (رواه ابن ماجه والبيهقي والحاكم).
3- المعاصي سبب ظلمة القلب:
قال عبدالله بن عباس: “إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونورًا في القلب، وسَعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمة في القلب، وضيقًا في الرزق، وبُغضًا في قلوب الخلق”.
4- المعاصي تحرم الطاعة:
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: “فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أنه يصد عن طاعة تكون بَدَلَه، ويقطع طريق طاعة أخرى، فينقطع عليه طريق ثالثة ثم رابعة، وهَلُمَّ جَرًّا، فينقطع عليه بالذنوب طاعات كثيرة، كل واحدة منها خير من الدنيا وما عليها…..
5- المعاصي تحرم العلم:
قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282]، فكما أن التقوى من أعظم أسباب تعلُّم العلم النافع، فترك التقوى من أعظم أسباب الحرمان!
6- المعاصي تخون العبد في الدنيا وعند الموت:
ففي الدنيا إذا وقع العبد في كربة أو بلية، لا تُحل مشاكله ولا يُوفق إلى خير أبدًا، لا ينجذب قلبه للتوكل على الله والإنابة إلى الله، والاستعاذة بالله، ولا يطاوعه لسانه لذكر الله، أما عند الاحتضار فالحال أدهى وأمرُّ، يخونه قلبه ولسانه، فيتعذر عليه النطق بالشهادة، بل ربما نطق بدونها، فتسوء خاتمته، ولذلك قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
قال الحافظ ابن كثير: “حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه؛ فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعِث عليه، فعياذًا بالله من خلاف ذلك!.
كيف يجاهد الإنسان نفسه على ترك المعاصي
أولا- أن يعيش مع القرآن – حفظًا وفهمًا ودراسة، وتدبرًا وعملًا وتلاوة – فالقرآن هو الواقي من أمراض الشبهات التي تهدم الاستقامة، والرادع عن أمراض الشهوات التي تحرم الاستقامة، هو حبل الله المتين والنور المبين، مَن تمسك به عصمَه الله، ومن اتبعه أنجاه الله، ومن دعا إليه هُدِي إلى صراط مستقيم.
ثانيا- أن يحرص على مجالس العلم:
من داوم على حضور مجالس العلم كان له الآتي:
1- ينال فضل المتعلمين.
2- يحبس فيها عن الذنوب والخطايا.
3- تنزل عليه السكينة.
4- تغشاه فيها الرحمة.
5- تحفه الملائكة.
6- يذكره الله عز وجل فيمن عنده.
7- يجالس الصالحين.
8- يتعلم الحلال والحرام.
ثالثا- أن يتجنُّب رفقة السوء:
قال ﷺ:” المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل”؛ (رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة مرفوعًا، وحسَّنه الألباني).
رابعا- مفارقة دواعي المعصية:
فالمعصية لها دواع وأسباب، قد تكون صحبة أو وحدة أو سهر، أو مشاهدة التلفاز أو النت، أو المرور من مكان ما، ومن ثم فالرغبة في التخلص من المعصية تولد عند المسلم بمفارقة دواعيها.
خامسا- استعظام الذنوب وعدم تحقيرها:
قال بلال بن سعد: “لا تنظر إلى حجم المعصية، ولكن انظر في حق من عصيت”.
عن ابن مسعود قال، قال رسول الله ﷺ:”إنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأنَّهُ قاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخافُ أنْ يَقَعَ عليه، وإنَّ الفاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبابٍ مَرَّ علَى أنْفِهِ فقالَ به هَكَذا، -قالَ أبو شِهابٍ: بيَدِهِ فَوْقَ أنْفِهِ-. (رواه البخاري).
قال ابن القيم رحمه الله: “الذنوب جراحات، ورُبَّ جرح وقع في مقتل”.
سادسا- أن يكرر التوبة إذا تكرر الذنب:
روى ابن أبي الدنيا بإسناد عن علي رضي الله عنه، قال: “خياركم كل مفتن توَّاب، قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب، قيل: فإن عاد؟ قال يستغفر الله ويتوب، قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب، قيل: حتى متى؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المحسور”.
وقيل للحسن البصري: ألا يَستحيي أحدنا من ربه؛ يستغفر من ذنوبه، ثم يعود، ثم يستغفر، ثم يعود، فقال: ودَّ الشيطان لو ظفر منكم بهذه، فلا تَملوا من الاستغفار؟
فإذا تكرر من العبد الذنب، ثم تكرر الذنب، ثم تكرر الذنب، فلا يمل أن يكرر التوبة؛ على ألا يكون مصرا على المعصية، ويكون عازما حال توبته ألا يعود.