انتشار عادة في المجتمع ليست دليلا على إباحتها ، فالقزع المنتشر بين الشباب المسلم اليوم لا يبيحه ،بل نص الفقهاء على أنه مكروه ،كما أن أصله عند غير المسلمين ، والأولى أن يكون للمسلم شخصيته المميزة.
يقول الشيخ سيد سابق من علماء الأزهر – رحمه الله – :
حلق بعض الرأس وترك بعضه مكروه تنزيها، لحديث نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال:”نهى رسول الله -- عن القزع”،فقيل لنافع: ما القزع؟ قال:أن يُحْلَق بعض رأس الصبي ويترك بعضه.متفق عليه، ولحديث ابن عمر- رضي الله عنهما- أن النبي قال:” احلقوا كله أو ذروا كله” رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي . انتهى

حكم حلق الشعر وترك بعضه:

يقول الدكتور صبري عبد الرؤوف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر :
إن الدين الإسلامي دين واقعي اجتماعي يَتماشَى مع الناس في كل زمان ومكان، ولا يمنع إنسانًا من التصرف إلا إذا كان التصرف يتعارض مع نص من كتاب الله أو سنة سيدنا رسول الله .
والواجب على المسلم أن يتبع ولا يجوز له أن يبتدع، كما لا يجوز له أن يتشبه بالأوربيين في حلق شعر رؤوسهم.

وقد اتفق الفقهاء على كراهة القَزَع؛ وهو حلق شعر بعض الرأس دون بعض، لأن النبي ـ ـ نهى عن القَزَع وقال: “احلِقُوه كلَّه أو اترُكوه كلَّه. وذكر الإمام ابن حجر في فتح الباري أن أبا داود روى أن رسول الله : “القَزَعُ من زي اليهود” وذلك النهي لما فيه من تشويه الخِلقة ولما فيه من التشبه بالشيطان. وقيل: هو زي أهل الشر والدِّعَارة.

وما دام الأمر كذلك فإن الواجب على شبابنا أن يتخلَّقوا بأخلاق الإسلام، وألاّ يقلدوا الأجانب إلا فيما يتعلق بالتقدم الصناعي ونحوه، وألاّ يكون التشبه بملابسهم ومظاهرهم التي لا تتفق مع تعاليم الإسلام.

والحرية الشخصية إنما تتعلق بكل ما يُفيد الإنسان علميًّا أو اقتصاديًّا وتنعكس آثاره على الفرد والمجتمع بما يجلب الخير والسعادة للمجتمع، أما ما يتعارض مع تعاليم الإسلام فهو مرفوض لما يجلبه من ضرر، والإنسان حر ما لم يَضر.

وعلى الشباب أن يتخلقوا بأخلاق ذَوِيهم من الشباب الواعي المستنير الذي يحرص على التمسك بتعاليم دينه والالتزام بالقيم ويعمل على النهوض بالمجتمع، وأن يأخذوا من الكبار العبرة والقدوة الحسنة.انتهى

هل نهى الرسول عن القزع:

يقول مسعود صبري الباحث الشرعي بكلية دار العلوم :

اتفق الفقهاء على أن القزع مكروه كراهة تنزيهية ، والقزع هو أن يحلق الإنسان بعض رأسه في منطقة واحدة من الرأس ، أو يحلق أجزاء متعددة من رأسه ، مع ترك البعض.
وفسر الإمام البخاري القزع بحلق الشعر من عند الناصية ، ومن جانبي الرأس، مع ترك الباقي.
وقد جاءت الأحاديث النبوية ناهية عن ذلك :
-فقد أخرج الشيخان البخاري ومسلم عن نافع عن ابن عمر قال { : نهى رسول الله عن القزع , فقيل لنافع : ما القزع ؟ قال : أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعض }.

-وفي سنن أبي داود أن الحجاج بن حسان قال : ( دخلنا على أنس بن مالك فحدثتني أختي المغيرة قالت : وأنت يومئذ غلام ولك قرنان أو قصتان فمسح رأسك وبرك عليك ، وقال احلقوا هذين أو قصوهما فإن هذا زي اليهود ).

-وعن ابن عمر { أن النبي رأى صبيا قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك , وقال : احلقوا كله أو ذروا كله } رواه أحمد وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح ).

واختلف العلماء في علة النهي عن القزع ، على النحو التالي:
1- قيل : لأنه يشوه الخلقة ، ويغير شكل الإنسان على نحو غيرمحمود.
2- وقيل : لأن القزع زي الشيطان .
3- وقيل: لأنه زي اليهود .
4- وقيل : زي أهل الشر والسوء.

وهذه العلل التي ذكرها العلماء هي من باب الاجتهاد ، وكذلك للنظر في أهل الزمان، وربما يجتمع معنا في عصرنا أن القزع أصبح شعارا لكثير من أهل الشر والفسوق ، مع كونه تغييرا للخلقة ، وهذا شيء ثابت، ولكن كونه زي اليهود أو زي الشيطان غير مسلم به .
ومن يقول لا يفعل هذا تشبها بالكفار، والبعد عن التشبه بالكفار أمر محمود له ، فيما يخصهم من ثيابهم التي تدل على العقيدة ، أو شيء من مناسكهم الدينية .
ولكن هذا التبرير بأنه يفعل القزع لأنه انتشر بين شباب المسلمين، فليس انتشار الفعل دليلا على صحته ، أو يكون داعيا إلى اعتماده في حياة الإنسان.
فكم من الشر انتشر في بلاد المسلمين ، ولم يكن ذلك سببا لأن يكون مباحا.
وقد حذر الشرع الحكيم أن يكون الإنسان المسلم تابعا للشر ، فعن حُذيفةَ قال:
-قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّم: (لا تَكونوا إمَّعَةً تقُولونَ إنْ أحسَنَ النَّاسُ أحسناً وإنْ ظَلَموا ظَلَمنا ولكنْ وطِّنُوا أنفُسكُم إنْ أحسَنَ النَّاسُ أن تُحسنُوا وإنْ أسَاءوا فلا تَظلِموا). رواه الترمذي

-قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – : لا يكون أحدكم إمعة قالوا وما الإمعة يا أبا عبد الرحمن قال يقول إنما أنا مع الناس إن اهتدوا اهتديت وإن ضلوا ضللت ألا ليوطن أحدكم نفسه على أن كفر الناس أن لا يكفر. رواه الطبراني.
-وقال ابن مسعود أيضا : لا يتبعن أحدكم دينه رجلا، إن آمن آمن ، وإن كفر كفر ، فإنه لا أسوة في الشر.
ثم إن الإسلام يدعو إلى أن يكون للمسلم شخصية متميزة ، لا أن يكون تابعا للغير ، بل يتخير من الغير ما ينفعه ، ولا يضره ، وأن يبتعد عن كل ما يجعله مسخا.
-روى البخاري عن أبي سعيد رضي الله عنه:
أن النبي قال: (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه). قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: (فمن).
والمقصود من الحديث شدة الموافقة لهم في عاداتهم، رغم ما فيها من سوء وشر، ومعصية لله تعالى ومخالفة لشرعه.
والواقع الذي يعيشه الناس يصدق كلام النبي ، فكثير من الشباب لا هم لهم إلا أن يقلدوا غير المسلمين في عاداتهم السيئة ، ومع كون غير المسلمين عندهم من الخير النافع ، ولكن كثير من الشباب لا ينظر إلى خيرهم ، ولكن يولي شطره تجاه شرهم ، في هيئة الملبس، وطريقة المأكل ، و تسريحة الشعر ، والحلق وغير ذلك، مما يوحي بالتبعية العمياء ،لا الاستفادة النافعة .