اليمين بالطلاق فيه كفارة يمين، بأن يطعم عشرة مساكين من أوسط ما يأكل، لكل مسكين وجبتان مشبعتان، أو كسوتهم، للرجل ثوب، وللمرأة ثوب وخمار، فإذا كان فقيرا عاجزا فحسبه أن يصوم ثلاثة أيام.

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- عن رجل حلف بالطلاق الثلاث أن لا يدخل دار جاره، ثم اضطر إلى الدخول فدخل : فهل يقع عليه طلاق بذلك أم لا؟ وإذا لزمه الكفارة فما الدليل على لزومها ؟

فأجاب -رحمه الله- :

إذا حلف بالطلاق أو العتاق يمينا تقتضي حضا أو منعا كقوله : الطلاق أو العتق يلزمه ليفعلن كذا أو لا يفعل كذا . أو قوله : إن فعلت كذا فامرأتي طالق. أو فعبدي حر. ونحو ذلك : فللعلماء فيها ثلاثة أقوال :

” أحدها” أنه إذا حنث وقع به الطلاق والعتاق. وهذا قول بعض التابعين وهو المشهور عند أكثر الفقهاء.

“الثاني” لا يقع به شيء ولا كفارة عليه. وهذا مأثور عن بعض السلف وهو مذهب داود وابن حزم. وغيرهما من المتأخرين؛ ولهذا كان سفيان بن عيينة شيخ الشافعي وأحمد لا يفتي بالوقوع؛ فإنه روى  عن طاوس عن أبيه : أنه كان لا يرى الحلف بالطلاق شيئا. فقيل له : أكان يراه يمينا قال : لا أدري. فجزم بأنه لم يكن يوقع الطلاق وشك هل كان يجعله يمينا فيها كفارة؟

“الثالث” أنه يجزئه كفارة يمين وهذا مأثور عن طائفة من الصحابة وغيرهم في العتق كما نقل ذلك عن عمر وحفصة بنت عمر وزينب ربيبة رسول الله -- : أنهم أفتوا من قال لفلان : إن لم أفرق بينك وبين امرأتك فمالي صدقة وأرقائي أحرار. فقالوا : كفر عن يمينك ودع الرجل مع امرأته : يا هاروت وماروت وهذا قول أبي ثور وغيره من الفقهاء في العتق.

كذلك رواه حماد بن سلمة في “جامعه” عن حبيب بن الشهيد. أنه سأل الحسن البصري عن رجل قال : كل مملوك له حر إن دخل على أخيه. فقال : يكفر عن يمينه.

-وروي ذلك عن أبي هريرة وأم سلمة قال أبو بكر الأثرم في مسنده ثنا عارم بن الفضل ثنا معتمر بن سليمان قال قال أبي : ثنا بكر بن عبد الله أخبرني أبو رافع قال قالت مولاتي ليلى بنت العجماء؛ كل مملوك لها محرر وكل مال لها هدي وهي يهودية وهي نصرانية إن لم تطلق امرأتك أو تفرق بينك وبين امرأتك. قال : فأتيت زينب بنت أم سلمة – وكانت إذا ذكرت امرأة بالمدينة فقيهة ذكرت زينب قال : فأتيتها فجاءت -يعني إليها-  فقالت : في البيت هاروت وماروت قالت يا زينب جعلني الله فداك : إنها قالت كل مملوك لها محرر وكل مال لها هدي وهي يهودية وهي نصرانية. فقالت : يهودية ونصرانية خلي بين الرجل وبين امرأته يعني وكفري يمينك. فأتيت حفصة أم المؤمنين فأرسلت إليها فأتتها؛ فقالت : يا أم المؤمنين جعلني الله فداك : إنها قالت كل مملوك لها محرر وكل مال هدي وهي يهودية وهي نصرانية. فقالت يهودية ونصرانية خلي بين الرجل وبين امرأتك. يعني وكفري عن يمينك. فأتت عبد الله بن عمر فجاء يعني إليها؛ فقام على الباب فسلم، فقالت سا أنت وسا أبوك؛ فقال : أمن حجارة أنت أم من حديد أنت؟ من أي شيء أنت أفتتك زينب وأفتتك حفصة أم المؤمنين فلم تقبلي فتياهما فقالت : يا أبا عبد الرحمن جعلني الله فداك : إنها قالت : كل مملوك لها حر وكل مال لها هدي وهي يهودية وهي نصرانية. فقال : يهودية ونصرانية كفري عن يمينك وخلي بين الرجل وبين امرأته. (وهذا الأثر معروف؛ قد رواه حميد أيضا وغيره عن بكر بن عبد الله المزني.)

ورواه أحمد وغيره وذكروا أن الثلاثة أفتوها بكفارة يمين لكن سليمان التيمي ذكر في روايته : كل مملوك لها حر؛ ولم يذكر هذه الزيادة حميد وغيره.

وبهذا أجاب أحمد لما فرق بين الحلف بالعتق والحلف بغيره .  وعارض ذلك أثر آخر ذكره عن ابن عمر وابن عباس فقال المروذي : قال أبو عبد الله : إذا قال كل مملوك له حر : فيعتق عليه إذا حنث؛ لأن الطلاق والعتق ليس فيهما كفارة. وقال : ليس قول : كل مملوك لها حر. في حديث ليلى بنت العجماء.

-وحديث أبي رافع أنها سألت ابن عمر وحفصة. وزينب وذكرت العتق فأفتوها بكفارة اليمين وأما حميد وغيره فلم يذكروا العتق. قال : وسألت أبا عبد الله عن حديث أبي رافع قصة امرأته وأنها سألت ابن عمر وحفصة فأمروها بكفارة يمين قلت فيها المشي ؟ قال : نعم . أذهب إلى أن فيها كفارة يمين قال أبو عبد الله ليست تقول فيه كل مملوك إلا قلت . فإذا حلف بعتق مملوكه يحنث ؟ قال : يعتق كذا يروى عن عمر وابن عباس أنهما قالا للجارية تعتق ثم قال : ما سمعنا إلا من عبد الرزاق عن معمر . وقلت : فإيش إسناده ؟ قال : معمر عن إسماعيل بن أمية عن عثمان بن حاضر عن ابن عمر وابن عباس . وقال : إسماعيل بن أمية وأيوب بن موسى : مكيان.

وقال أبو طالب قال أبو عبد الله : من حلف بالمشي إلى بيت الله وهو يحرم بحجة، وهو يهدي وماله في المساكين صدقة، وكل يمين يكفر عندها عقد يمين يحلف على شيء، فإنما هي كفارة يمين على حديث بكر عن أبي رافع في قصة حفصة . حلفت لتفرقن بينها وبين زوجها فقالت : يا هاروت وماروت كفري عن يمينك واعتقي جاريتك فجعل ذلك كله كفارة يمين عن العتق : فهذا أفضل ، وذلك أن العتق ليس فيه كفارة ولا استثناء.