لا يحسن بالزوجة أن تقسم على زوجها، فإن هذا مما يشعره بأنها أعلى منه، ويشعره بنشوزها عليه، وأما إذا كان بينهما من الود والتفاهم والحب ما يسمح بهذا فلا بأس.

فإذا كان هذا الأمر المحلوف عليه طاعة واجبة (كالصلاة مثلا)، فعلى الزوج أن يبر يمين زوجته وتنتهي القضية ، يتألف بذلك قلبها ولا يحوجها إلى الكفارة ، وأما إذا كان المحلوف عليه معصية فلا يجوز للزوج فعل المعصية، ولتكفر الزوجة عن يمينها، أما إذا كان أمرا دنيويا مباحا ، فيندب للزوج أن يبر يمين زوجته.

يقول الدكتور حسام الدين عفانه أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس:-

تسمى هذه المسألة عند أهل العلم مسألة إبرار المقسم ، وهي أن تفعل ما أراده الحالف لتصير بذلك باراً بيمينه .
وهذه المسألة فيها تفصيل عند العلماء كالتالي:-
1 – : فإذا حلف شخصٌ على آخر أن يفعل أمراً واجباً كأن يصلي الظهر مثلاً ، فعلى المحلوف عليه أن يبر بيمين الحالف ، وكذلك إذا حلف عليه أن يترك معصية فيجب عليه أن يبر بيمينه.

2- وأما إذا حلف شخصٌ على آخر أن يترك واجباً، أو أن يفعل معصية ، فيجب على المحلوف عليه أن يحنث بيمين الحالف؛ لأنه لا طاعة إلا في المعروف ، لما ثبت في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( لا طاعة في معصية الله) رواه البخاري ومسلم .

3 – أما إذا حلف شخصٌ على آخر أن يفعل أمراً مباحاً أو مندوباً إليه ، فيندب إبرار المقسم في هذه الحالة ، كمن حلف على آخر أن يتغدى عنده في بيته ، فيندب إبرار المقسم ، وقد ثبت في الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع ، أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، وإبرار القسم أو المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام ، ونهانا عن خواتيم الذهب أو أن نتختم بالذهب، وعن شربٍ بالفضة، وعن المياثر- فرش صغيرة تصنع من الحرير- وعن القسي – وهو نوع من الحرير-وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج ) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم .

قال الإمام النووي : –
وأما إبرار المقسم فهو سنة أيضاً مستحبة متأكدة ، وإنما يندب إليه إذا لم يكن فيه مفسدة أو ضرر أو نحو ذلك ، فإن كان شيءٌ من هذا لم يبر قسمه، كما ثبت أن أبا بكر رضي الله عنه لما عبر الرؤيا بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً ) فقال أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني ، فقال: ( لا تقسم ولم يخبره ).

وقال الشوكاني مبيناً: أن الأمر بإبرار المقسم ليس على سبيل الوجوب :-” قوله ( وإبرار المقسم ) ظاهر الأمر الوجوب، واقترانه ببعض ما هو متفق على عدم وجوبه كإفشاء السلام ، قرينة صارفة عن الوجوب ، وعدم إبراره صلى الله عليه وسلم لقسم أبي بكر، وإن كان خلاف الأحسن، لكونه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان عدم الوجوب …. ”

وقد ثبت في أحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم بَرَّ المقسم كما في الحديث الشريف ( أن ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إليه: -ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة وسعد وأبيّ- أن ابني قد احتضر فاشهدنا ، فأرسل يقرأ السلام ويقول: إن لله ما أخذ وما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى ، فلتصبر وتحتسب ، فأرسلت إليه وتقسم عليه ، فقام وقمنا معه) رواه البخاري . فبرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بقسم ابنته فذهب إليها .

وجاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( أهدت إليها امرأة تمراً في طبق فأكلت بعضاً وبقي بعض، فقالت: أقسمت عليك إلا أكلت بقيته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبريها ، فإن الإثم على المحنث ) رواه أحمد ،وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح ، والمحنث هو المتسبب في الحنث فيكون الإثم عليه .
وعن أبي حازم أن ( ابن عمر مرَّ على رجل ومعه غنيمات له، فقال: بكم تبيع غنمك هذه، بكذا وكذا ، فحلف ألا يبيعها ، فانطلق ابن عمر فقضى حاجته، فمر عليه، فقال: يا أبا عبد الرحمن خذها بالذي أعطيتني ، قال: حلفت على يمين فلم أكن لأعين الشيطان عليك وأن أحنثك ) رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي. فبرَّ ابن عمر بيمين الرجل .