توبة الساحر لها شقان ، الشق الأول أمام الله تعالى فإذا تاب وأخلص توبته أمام ربه فإن الله يقبلها منه، أما الشق الثاني فهو متعلق بالبشر هل يقبلون توبة الساحر ؟ المسألة خلافية منهم من لم يقبلها فالساحر إذا تاب نفعت توبته لأن توبة الكافر نافعة له، ومنهم من قال لا تنفعه توبته في الدنيا لعدم معرفتنا بها لخفائها بل يقتل وأمره إلى الله إذا شاء عفا وإذا شاء عذَّب، والأرجح أن ينظر في كل مسألة بحالها
يقول فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك :
نعم توبة الساحر مقبولة عند الله إذا تاب التوبة النصوح وصدق فيها بينه وبين ربه، فالله يغفر له ما كان منه، وما عمله من السحر، والدليل على ذلك أن سحرة فرعون أمضوا أعمارهم في السحر وعبادة فرعون، فلما رأوا آيات الله التي جاء بها موسى سجدوا لله، وقالوا ” قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ [الأعراف: 121-122] فتابوا من سحرهم وشركهم توبة هي غاية في الصدق لأنهم لم يبالوا بتهديد فرعون، وقالوا لما هددهم:” فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه72-73]
لكن اختلف العلماء في قبول توبة الساحر ظاهراً، أي: إذا ادعى التوبة نتركه فلا نقيم عليه حدَّ الساحر أم أنا نقتله وأمره في توبته إلى الله، فإن كان صادقاً غفر الله له، وإن كان كاذباً لم تنفعه توبته لا في الدنيا ولا في الآخرة؟ فالذين قالوا: لا تقبل توبته ظاهراً. قالوا: إن أمره خفي ولا يتبين صدقه في توبته، ومن قال: إن توبة الساحر مقبولة يقول: إذا جاءنا تائباً نادماً قبلنا توبته لعموم الأدلة كقوله تعالى:” وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ” [طه: 82]، وقوله:” إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ” [النساء: 17] فالساحر ليس أسوأ من سائر الكفار كالذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، أو الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات كما في سورة البروج ” إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ” [البروج: 10]، وقال تعالى:” لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ” [المائدة:73-74]
والصواب:
أن قبول توبة الساحر وعدم قبولها يرجع فيه إلى نظر الحاكم، فإذا تبين صدقه في توبته درأ عنه الحدَّ وقبلت توبته، وإن لم يتبين له حكم عليه بما حكم به الصحابة –رضي الله عنهم- كعمر وابنته حفصة وجندب بن عبد الله، فقد صحَّ عنهم جميعاً قتل السحرة، وقد كتب عمر إلى بعض عماله أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، وقال جندب بن عبد الله:” حدّ الساحر ضربه بالسيف” هذا هو التفصيل في حكم توبة الساحر.