الرجعة تصح بالقول باتفاق العلماء كأن يقول الزوج لزوجته راجعتك، وتصح الرجعة عند جمهور العلماء بالفعل كما تصح بالقول وذلك بأن يجامع الرجل مطلقته الرجعية وكذلك تصح الرجعة بمقدمات الجماع كاللمس بشهوة والقبلة بشهوة ونحو ذلك مع نية الزوج إرجاعها وهذا أرجح أقوال أهل العلم.
أما النية المجردة عن القول والفعل فلا تحصل بها الرجعة، وإذا حصل معاشرة بين الزوجين تكون حرام شرعا إذا وقعت بعد انقضاء العدة ويجب على الزوج أن يعقد على مطلقته بمهر جديد إذا أراد إمساكها.
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
الرجعة هي أن يرد الزوج زوجته بعد طلاق غير بائن ويكون ذلك قبل انقضاء العدة.
والرجعة مشروعة بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله ﷺ قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } سورة البقرة الآية 229.
قال ابن كثير: [وقوله :{ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } أي إذا طلقها واحدة أو اثنتين فهو مخير فيها ما دامت عدتها باقية بين أن يردها إليه ناوياً الإصلاح بها والإحسان إليها وبين أن يتركها حتى تنقضي عدتها فتبين منه ويطلق سراحها محسناً إليها لا يظلمها من حقها شيئاً ولا يضار بها ] تفسير ابن كثير 1/546-547.
وقال تعالى :{ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ } سورة البقرة الآية 228 .
قال القرطبي: [ ثم قوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} حكم خاص فيمن كان طلاقها دون الثلاث وأجمع العلماء على أن الحر إذا طلق زوجته الحرة وكانت مدخولاً بها تطليقة أو تطليقتين أنه أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها، وإن كرهت المرأة فإن لم يراجعها المطلق حتى انقضت عدتها فهي أحق بنفسها وتصير أجنبية منه لا تحل له إلا بخطبة ونكاح مستأنف بولي وإشهاد ليس على سنة المراجعة وهذا إجماع من العلماء] تفسير القرطبي 3/120
وورد في الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ طلق حفصة رضي الله عنها ثم راجعها) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وقال الشيخ الألباني صحيح، انظر صحيح سنن أبي داود 2/432 .
وروى الإمام البخاري بإسناده عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله ﷺ فسأل عمر بن الخطاب رسول الله ﷺ عن ذلك فقال رسول الله ﷺ مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء ) وغير ذلك من الأحاديث .
وينبغي للزوج أن يراجع زوجته حفاظاً على الأسرة ورعاية للأطفال حتى لا يتعرضوا للتشريد والضياع والرجعة تصح بالقول باتفاق العلماء كأن يقول الزوج لزوجته راجعتك أو أرجعتك أو يقول أرجعت زوجتي ونحو ذلك من العبارات الصريحة الدالة على الرجعة .
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فأما القول فتحصل به الرجعة بغير خلاف وألفاظ راجعتك وارتجعتك ورددتك وأمسكتك لأن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب والسنة فالرد والإمساك ورد بهما الكتاب بقوله سبحانه:{ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ } وقال: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} يعني الرجعة .
والرجعة وردت بها السنة بقول النبي ﷺ: (مره فليراجعها)، وقد اشتهر هذا الاسم فيها بين أهل العرف كاشتهار اسم الطلاق فإنهم يسمونها رجعة والمرأة رجعية ويتخرج أن يكون لفظها هو الصريح وحده لاشتهاره دون غيره كقولنا في صريح الطلاق، والاحتياط أن يقول: راجعت امرأتي إلى نكاحي أو زوجتي أو راجعتها لما وقع عليها من طلاقي ] المغني 7/524.
وقال جمهور أهل العلم بأن الزوج إذا أرجع زوجته فمن السنة أن يشهد على ذلك لقوله تعالى:{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } سورة الطلاق الآية 2. قال ابن كثير :[ وقوله تعالى:{ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } أي على الرجعة إذا عزمت عليها كما رواه أبو داود وابن ماجة عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال: طلقت لغير سنة ورجعت لغير سنة أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد.
وقال ابن جريج : كان عطاء يقول :{ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } قال: لا يجوز في نكاح ولا طلاق ولا رجاع إلا شاهدا عدل كما قال الله عز وجل إلا أن يكون من عذر ] تفسير ابن كثير 6/239.
وقد حمل أكثر أهل العلم الأمر في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } على الندب مع أن الأصل في الأمر أنه يفيد الوجوب.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [فأما الشهادة ففيها روايتان:
إحداهما: تجب، وهذا أحد قولي الشافعي؛ لأن الله تعالى قال: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وظاهر الأمر الوجوب ولأنه استباحة بضعٍ مقصود فوجبت الشهادة فيه كالنكاح وعكسه البيع .
والرواية الثانية: لا تجب الشهادة، وهي اختيار أبي بكر، وقول مالك، وأبي حنيفة. لأنها لا تفتقر إلى قبول فلم تفتقر إلى شهادة كسائر حقوق الزوج، ولأن ما لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الإشهاد كالبيع، وعند ذلك يحمل الأمر على الاستحباب ولا خلاف بين أهل العلم في أن السنة الإشهاد ] المغني 7/522-523.
وقال القرطبي :[ الإشهاد عند أكثر العلماء على الرجعة ندب ] تفسير القرطبي 18/158 .
وتصح الرجعة عند جمهور العلماء بالفعل كما تصح بالقول وذلك بأن يجامع الرجل مطلقته الرجعية وكذلك تصح الرجعة بمقدمات الجماع كاللمس بشهوة والقبلة بشهوة ونحو ذلك مع نية الزوج إرجاعها وهذا أرجح أقوال أهل العلم في المسألة.
والواجب أن لا تخرج المطلقة الرجعية من بيت الزوجية لقول الله سبحانه وتعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) سورة الطلاق الآية 1 . ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن المرأة المطلقة تقضي عدتها في بيت الزوجية ( لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ) فأضاف الله عز وجل البيوت لهن.
قال القرطبي: [أي ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت في العدة ولا يجوز لها الخروج أيضاً لحق الزوج إلا لضرورة ظاهرة فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدة والرجعية والمبتوتة في هذا سواء. وهذا لصيانة ماء الرجل . وهذا معنى إضافة البيوت إليهن كقوله تعالى :( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ) وقوله تعالى :( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) فهو إضافة إسكان وليس إضافة تمليك ] تفسير القرطبي 18/154.
والرجعة لا تصح بالنية المجردة عن القول أو الفعل .