أفتى ابن تيمية بأنه لا يجوز أن يُدفن في المسجد ميِّت، لا صغير ولا كبير ولا جليل ولا غيره، فإن المساجد لا يجوز تشبيهها بالمَقابر، وأن المَسجد لو كان موجودًا ثم دُفِن فيه ميت وجب أن يُسوَّى القبر ويُنْبش ويُخْرَج منه الميِّت إن كان جديدًا، وعلَّل ذلك بأن الدَّفْن في المسجد إخراج لجزء منه عمّا جعل له من الصلوات والذكر وتدريس العلم، وذلك غير جائز شرعًا، وبأن إنْشاء قبْر فيه يؤدي إلى الصَّلاة إليه أو عنده، وذلك منهي عنه، وأورد في كتابه ” اقتضاء الصراط المستقيم” ص 158 بعض الأدلة على النهي عن الصلاة عند القبور مُطلقاً واتخاذها مساجد أو بناء المساجد عليها، منها حديث مسلم ” لا تجلسوا على القبور ولا تُصَلُّوا إليها” وقال ابن تيمية أيضًا : لا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيُّهما طرأ على الآخر مُنِع منه وكان الحكم للسابق.
إن هذا الحكم مبني على مذهب الإمام أحمد الذي يأخذ به ابن تيمية وابن القيم، وعند الشافعية أن ذلك ليس بحرام ولكنه مكروه، قال النووي في شرح المهذب ” ص316″ قال الشافعي والأصحاب: وتُكْره الصلاة إلى القبور، سواء كان الميت صالحًا أو غيره، قال الحافظ أبو موسى : قال الإمام الزعفراني رحمه الله : ولا يُصَلى إلى قبر ولا عنده، تبرُّكًا ولا إعظامًا له، للأحاديث. فالحكم عندهم هو الكراهة التنزيهية لا التحريمية ولا الحرمة، ومناط الحكم بذلك هو التبرك والإعظام، فإذا لم يكن تبرك ولا إعظام فلا كراهة على هذا. أما الحنفية فالدفن في المسجد أولى بالحظر من الصلاة على الجنازة في المسجد، الوارد فيها حديث ” من صلَّى على جنازة في المسجد فلا أجر له”؛ لأن فيها كما قال صاحب الهداية – إخراجًا لجزء من المسجد عما جُعل له من العبادة بالصلاة والذكر والعلم، وصلاة الجنازة في المسجد مكروهة كراهة تحريم، كما هو إحدى الروايتين وهي التي اختارها العلامة قاسم وغيره ” الفتاوى الإسلامية المجلد الثاني – صفحة 650″، وهي سنة عند الشافعية وجائزة عند الحنابلة إن لم يُخش تلويث المسجد. هذا إذا كان الدفن داخل المسجد أما إذا كان بجواره خارجًا عنه فلا حرمة ولا كراهة.