الحلف بالطلاق أمر مذموم شرعا، كما أن الغضب مذموم، وهو من الشيطان، وعلى المسلم إذا غضب أن يستعيذ بالله من الشيطان، ويستحب له أن يتوضأ ليطفئ نار الغضب، وليجلس ويهدأ ولا يترك العنان للسانه ينطق به ما لا تحمد عقباه.

والعلماء يرون أن الحلف بالطلاق الذي لا يقصد به الطلاق لا يقع به طلاقا، وبعضهم يرى وجوب كفارة ككفارة اليمين إن كان معلقا على شيء، وكذلك فإن طلاق الغضبان لا يقع إذا وصل الغضب إلى حد لا يدري معه الغاضب ما يقول.

يقول فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق :

الحياة الزوجية تبدأ بين الزوجين بكامل رغبتهما وحريتهما، ويوجب الإسلام على كل من الزوجين أن يعاشر صاحبه بالمعروف، تحقيقًا للمقصود من الزواج، الذي نصت عليه الآية الكريمة: (ومن آياتِه أنْ خَلق لكُم من أنفُسِكم أزْواجًا لتَسكُنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً إنَّ في ذلك لآيات لقومٍ يتفكَّرون) (الآية 21 من سورة الروم) وبذلك تتحقق السعادة بيْن الزَّوجين.

إذا لم يتمكن الزوجان من استدامة الحياة الزوجية بينهما بدون شقاق أو خلاف، فإنَّ إنهاء تلك الحياة بين الزوجين بالطلاق يكون خيرًا من بقائهما متعاشرَيْن معاشرةً يَتضرر بها كلٌّ منْهما، والطلاق وإن كان مباحًا في الإسلام لكنه أبغض المباحات إلى الله ـ عز وجل ـ للحديث : “أبغض الحلال إلى الله الطلاق”.

وإذا كان الزوج مختصًّا بطلاق زوجته فإن عليه مسئولية إيقاع الطلاق بما يوافق شريعة الإسلام (الطلاقُ مرَّتان فإمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحْسان) (من الآية 229 من سورة البقرة) .

وليس من الفقه للمسلمين استعمالُ الزوجِ الطلاقَ في معاملاته اليومية من بيع وشراء، وأخذ وعطاء، وتافهٍ من الأمور لا يُلتفت إليه؛ لأن في ذلك خروجًا بالطلاق عن الغرض الذي من أجله شُرِع، وهو حَلُّ عقدة النكاح عند تنافر الطباع وعَجز الحَكَمين عن إصلاح ذات البين، واستحالة استمرار الحياة الزوجية، وكما يكون في الزواج مودة ورحمة فقد يكون في الطلاق سعة وراحة، وصدق الله إذ يقول: (وإن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ من سَعَتِه) (من الآية 130 من سورة النساء).

حالات استعمال الزوج الحلف بالطلاق:

قد يستعمل الزوج الحلف بالطلاق في الحالات التالية:

أ ـ في أتفه الأشياء، مثل الخروج والأكل، أو يقول: عليَّ الطلاق “لن أفعل” الحاجة الفلانية ولكن بعد أيام يعملها.

ب ـ يكون الزوج غضبانا في بعض حالات الطلاق، وعاديًّا جدًّا في حالات أخرى.

ج ـ قد يقول لزوجته تكون طالقة مني بالثلاثة ومحرمة علي إذا عملت الحاجة الفلانية، وبعد أيام يفعلها وكأنه لم يحلف بالطلاق.

حكم الحلف بالطلاق:

وبالنظر إلى قول الزوج في الحالة (أ) عليَّ الطلاق “لن أفعل” الحاجة الفلانية ولكن بعد أيام يفعلها، نجد أن هذا الحلف هو يمين بالطلاق وصيغته من صيغ اليمين بالطلاق، واليمين بالطلاق لغوٌ لا يقع به شيء، وهذا أخذًا برأي متقدمي فقه المذهب الحنفي وبعض متأخريهم وهو موافق لرأي الإمام علي وشُريح وداود وأصحابه، وطائفة من الشافعية والمالكية، وعلى ذلك فلا يقع باليمين المذكورة طلاقٌ سواءٌ وقع المحلوفُ عليه أو لم يقع؛ لأن الزوج لم يُضِف الطلاقَ لزوجته بذكر اسمها، أو ضميرٍ يعود إليها، أو إشارة كذلك، ولأن صيغة (عليَّ الطلاق) ليست من صريح الطلاق ولا كناياته، وإنما هي صيغة يمين يؤدي الحالف بها عند الحنث كفارةَ اليمين بالله .

وفي الحالة (ب) يكون الزوج غضبانَ في بعض حالات الطلاق، وبعضها عادي.

الغضب الذي لايقع الطلاق به:

الغضب الذي لا يقع معه الطلاق يتمثل في حالتين: 

الأولى: إذا بلغ الغضب بالزوج نهايته وقت الطلاق فلا يعلم ما يقوله ولا ما يريده.

الثانية:ألا يبلغ الغضب بالزوج هذه الغاية ولكن يغلب عليه الخلل والاضطراب في أقواله وأفعاله، وذلك عملاً بحديث عائشة عن النبي : “لا طلاقَ ولا عِتاقَ في إغْلاق” (رواه أبو داود والحاكم وصححه. التاج الجامع للأصول جـ 2 كتاب الطلاق) والمراد أن يُغلَق على الرجل وقت الطلاق بابُ الإرادة ويَفقِد الوعي. فإذا لم يبلغ الغضب بالزوج وقت الطلاق واحدة من هاتين الحالتين، بأن كان أخف من ذلك ولا يحول دون إدراك ما يصدر عنه، ولم يستتبع خللاً في أقواله وأفعاله، وكان يَعي ما يقول ـ فإن الطلاق يكون واقعًا.

ومعيار الغضب شخصي، بمعنى أن الشخص المتلفِّظ بصيغة الطلاق هو بالدرجة الأولى الذي يحدد درجة الغضب التي كان عليها وقت الواقعة، وهل تندرج فيه إحدى هاتين الحالتين السابقتين فلا يقع الطلاق، أو لا تندرج فيقع الطلاق.