اختلف العلماء فيما يتيمم به، فمنهم من وسع فيه، ومنهم من قصره على التراب وما يشبهه، ومنهم من توسع فيه حتى أجازه بالمعادن، ورجح هذا الرأي الأخير فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي نظريا وعمليا، وعليه فلا حرج في التيمم على السيراميك الأملس،أو الدهان الناصع.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: –
التيمم يكون بالصعيد الطيب كما نص القرآن بقوله: (فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) المائدة: 6.
وهنا اختلفوا في تحديد مفهوم (الصعيد) ما هو؟
فمن الفقهاء من قالوا: الصعيد هو التراب، ولا يجوز إلا به، كما هو رأي الشافعي وأحمد وداود، وهذا قاله بعض اللغويين، وأكدوه بما جاء في صحيح مسلم من حديث حذيفة: “وجعلت لي الأرض مسجدا، وتربتها طهورا”.
وقال أبو حنيفة ومالك وأصحابهما وعطاء والأوزاعي والثوري: الصعيد كل ما كان من جنس الأرض من تراب أو رمل أو حجر أو جص أو نورة – والنورة حجر الكلس ثم غلبت على أخلاط تضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره وتستعمل لإزالة الشعر- أو رخام، حتى قال مالك: أو ثلج.
ويفسر الحنفية (جنس الأرض): بأنه كل ما لا يلبن ولا ينطبع بالنار.
أما ما يلبن وينطبع بالنار، أو يحترق فيصير رمادا، فليس من جنس الأرض.
وأجاز المالكية التيمم بالمعادن عدا النقد كالذهب والفضة والجوهر كالياقوت والزبرجد، لكن بالحديد والرصاص والقصدير والكحل والملح ونحوها إذا كانت في مواضعها من الأرض، ولم تنقل حتى تصير أموالا في أيدي الناس.
واستدلوا بما قاله بعض اللغويين أيضا: الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره. ولعل استعمال القرآن لكلمة الصعيد يدل لهذا، مثل (صعيدا زلقا) الكهف: 40 و(صعيدا جرزا) الكهف: 8.
ويؤيد هذا المذهب تيممه ﷺ من الجدار أو الحائط، وهو حديث متفق على صحته. والظاهر أن لا يكون عليه غبار، ولو كان من اللبن، كما هو المعهود.وقد ورد حديث خصائصه ﷺ في معظم رواياته بلفظ: “وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا”.
واستدل للشافعي وأحمد بقوله تعالى: (فامسحوا بوجوهكم وأيدكم منه) المائدة: 6، وكلمة (منه) تدل على التبعيض، ولا يتيسر المسح ببعض الحجر أو بعض الشجر، فتعين أن يكون الممسوح به ترابا أو ما يشبه التراب من الرمل ونحوه.
وللمخالفين أن يقولوا: قوله تعالى: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه): محمول على أنه بني على الغالب في التيمم: أن يكون بالتراب أو الرمل ونحوهما مما يعلق باليد.
ومن نظر إلى الواقع وحاجاته، تبين له أن التراب ـ وحتى الرمل ـ لا يتيسر وجوده في كثير من الأحيان، بل يتعسر أو يتعذر، إنما الذي يتيسر كثيرا هو ما كان من جنس الأرض من الأسمنت والرخام والبلاط والسيراميك ونحوها، وهذا ما جربته في مواضع شتى.
وكذلك عندما كنت في المستشفى في ألمانيا، وحتى في الدوحة: لم أكن أجد إلا (سيراميك) الحمام أتيمم به. وتسويغ هذا يتفق مع التيسير الذي أمرنا به، ومع قوله ﷺ: “وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل” فإنما يتحقق هذا إذا فسرنا الصعيد بكل ما كان من جنس الأرض، ووسعنا مفهومه بما وسع به أبو حنيفة ومالك رضي الله عنهما.