المذهب السائد في الفقه الموروث إنه إذا علم من شخص علم اليقين أنه يتعامل بالحلال والحرام معا فلا تحرم معاملته من بيع له، أو شراء منه، أو قبول هديته، أو الاقتراض منه على القول الراجح، إلا أن الورع ترك معاملته، فمن تورع عن معاملته فقد أحسن، ومن عامله فليس آثما.
أما إذا علم أنه حصل على شيء معين عن طريق الحرام فلا يجوز شراء هذا الشيء منه ولا أخذه منه هدية، ولا اقتراضه .
وأما مجرد الظن فإنه لا يوجب التحريم؛ لأن الأصل أن ما في أيدي الناس يكون ضمن ممتلكاتهم، ولم يأمرنا الإسلام بالتنقيب عن الناس، ومن تورع لريبة فقد أحسن. ومعنى ذلك أنه لو كانت كل أمواله حراما فإنه لا يجوز الاقتراض منه.
ولبعض المعاصرين توجيه آخر ، مفاده أنه إذا علم من شخص علم اليقين أنه يتعامل بالحلال والحرام معا، فننظر إلى نوع الحرام الذي يتعامل به:
فإن كان التحريم لحق الله تعالى مما حرم لكسبه لا لعينه، كالربا والقمار، فوزر المحرم على صاحبه بينه وبين الله، لأن التحريم هنا لحق الله تعالى، ولا يتحمل منه من يتعامل معه شيئاً إذا كان التعامل صحيحاً في نفسه، لعموم قوله تعالى: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”. ولذلك تعامل النبي ﷺ مع اليهود مع أكلهم الربا. ورضي عمر رضي الله عنه أن يأخذ الجزية من أهل الكتاب من ثمن الخمر، كما صح ذلك عنه.
فإذا كان مال الرجل من هذا النوع فلا بأس بالاقتراض منه حتى لو كان حراما كله ، وإن كان الورع تركه.
وإن كان المحرم لحق المخلوق، كالمال المأخوذ بالسرقة والغصب ونحوه، فإن علم أن هذا المال بعينه هو المغصوب أو المسروق فلا يجوز الاقتراض منه، لأنه مأخوذ من صاحبه ظلماً بغير حق وبغير رضاه، وحقوق العباد مبنية على المشاحة، بخلاف حقوق الله تعالى المبنية على المسامحة. ولهذا لم يقبل النبي ﷺ المال الذي أتى به المغيرة بن شعبة رضي الله حين أسلم، لأنه كان قد غصبه قبل إسلامه.