حث الإسلام على الرياضة وتقوية البدن وحرص أيضا على الترويح عن النفس والخيل من أجمل مخلوقات الله، ولكن الانتفاع والتمتع بها مشروط بما يرضى الله من اللهو المباح، أما ما ينظم فى عصرنا الحالى من مسابقات تدخل فى صور الميسر والقمار والرهان المنهى عنه.
يقول فضيلة الشيخ “أحمد الشرباصى”رحمه الله في المسألة بالتفصيل:
حظيت الخيل فى الإسلام بكل تكريمٍ، إذ اعتبرها وسيلةً من وسائل القوة والعُدَّة، ومَظهرًا من مظاهر الهيْبة والعِزَّة، ولذلك يقول القرآن الكريم: ( وأعِدُّوا لهمْ ما استَطعْتُمْ مِن قُوَّةٍ ومِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بهِ عَدُوَّ اللهِ وعَدُوَّكُمْ ). ( الأنفال: 6 ). وأقسم بها في آية أخرى فقال: (والعادياتِ ضَبْحًا. فالمُورِيَاتِ قَدْحًا. فالمُغِيرَاتِ صُبْحًا. فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا. فَوَسَطْنَ بهِ جَمْعًا. إنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ). ( العاديات:1ـ6).
وعن شبيب بن عرقدة قال: سمعت عروة بن أبي الجعد يقول: سمعت رسول الله ـ ﷺ ـ يقول: ” الخيلُ مَعقودٌ في نواصيها الخيْر إلى يوم القيامة . قال شبيب: فرأيت في دار عروة سبعين فرسًا مَربوطة ( أي مُعدة للجهاد في سبيل الله ). وعن ابن عمر أن الرسول قال: ” الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة . وقد فسر البخاري ومسلم وأحمد هذا الخير بأنه الأجر والغنيمة وهناك أحاديث كثيرة في فضل الخيل واقتنائها لأجل الجهاد.
والإسلام ينظر إلى المسابقة على الخيل في أصلها نظرة الرضى والتحريض؛ لأنها وسيلة إلى نشر القوة والفتوة والرياضة والجندية الماهرة، وفي سُنة الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ما يفيد أن هذه المسابقة كانت معروفة عند الصدر الأول، فعن أنس بن مالك قال: كانت ناقة الرسول ـ ﷺ ـ تُسمى الغضباء، فكانت لا تُسبق ( لسرعتها )، فجاء أعرابيٌّ على قَعود له فسابقها فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين، فلمَّا رأى الرسول ـ ﷺ ـ ما في وجوههم قالوا: يا رسول الله سُبقت العضباء. فقال: حقٌّ على الله ـ عز وجل ـ أن لا يرفع شيئًا من الدنيا إلا وضعه.
وعن ابن عمر أن الرسول سابق بين الخيل التي أُضْمرت (أي عُلفت بصورة خاصة حتى تَسْمُن ثم تقوى) من “الخفياء”، وكان غايتها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد زريق.
وعن أبي هريرة أن الرسول قال: “لا سَبْقَ إلا في نَصْلٍ أو حافرٍ أو خُفٍّ .. والنصل هو حديد الرمح والسيف والسهم، والحافر للخيل والحمير، والخفُّ للإبل والفِيَلة، وقد فهم الفقهاء من هذا الحديث جواز إعطاء السابق جُعلاً أو مُكافأة، وقالوا إن المعنى أنه لا يحلُّ أخْذُ المال بالمسابقة، إلا في نصل أو ذي حافر أو خف، وهي السهام والخيل والإبل، وألحقوا بها ما كان بمعناها، وجاء التصريح بإعطاء الجُعْلِ في حديث آخر لابن عمر قال: سبَّقَ (بتشديد الباء) النبي ـ ﷺ ـ بين الخيل، وأعطى السابق.
ولكن الفقهاء اشترطوا أن تكون المكافأة من غير المتسابقين، كأن يقول الوالي أو غيره من الناس: مَن سبق فله كذا من بيت المال، أو من بيتي لمَا في ذلك من فضيلة التحريض على المسابقة والتقوى وكذلك يجوز أن يكون من أحدهما فيقول: إن سبقتني فلك كذا .. وأما من الطرفين فلا. ورُوي عن أبي حنيفة أن عقد المسابقة على مال باطل. ورُوي عن مالك أنه لا يجوز أن يكون العِوَضُ من غير الإمام، ورُوي ـ أيضًا ـ عن مالك وابن الصباغ وابن خير أنه لا يجوز بذْل المال من جهتيها.
هذه خلاصة سريعة لمَا نعلمه عن أمر المسابقة بالخيل في الإسلام، ولكن السباق المعروف اليوم غير هذا، فهو نوع من القمار والميْسر، وفيه من المَضار والمكايد ما فيه، وكم جرَّ على أهله والمشتركين فيه البلايا والنكبات، وكم هدم الآسر وشتَّت العائلات، وهو لا يتوفر فيه ما اشترطه الإسلام لصحته، ولذلك لا يجوز ذلك السباق شرعًا؛ وفوق كل ذي علم عليم.