الليبور : هو معدل الفائدة الذي تضعه البنوك في حسبانها كمؤشر لحساب نسبة تكلفة القروض، وهو يرتفع وينخفض تبعا لاعتبارات عديدة طوال العام.
وقد اتجهت بعض البنوك الإسلامية لاعتماده في حساب نسبة أرباحها في المرابحات الشرعية ، مما يعني أن يرتفع ثمن المنتج المباع بالمرابحة أو ينخفض تبعا لليبور طوال مدة المرابحة. وبالتالي فلا يجوز اعتماده في حساب الربح؛ لأن هذا معناه جهالة الثمن النهائي للمنتج المباع بالمرابحة وهذا غير جائز شرعا للغرر المنهي عنه شرعا. ولكن لا بأس باستخدامه في حساب الربح أثناء التفاوض على ثمن السلعة قبل بداية التعاقد.
يقول الدكتور حسام الدين عفانه- أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
مؤشر الليبور كما عرفه الدكتور سامر قنطقجي:[ نظام الليبور هو المؤشر الرئيسي الذي تستخدمه البنوك الربوية ومؤسسات الائتمان والمستثمرون لتثبيت تكلفة الاقتراض في أسواق المال في جميع أنحاء العالم، وكلمة Libor هي اختصار لمعدل الفائدة المعروض من قبل مصرف لندن، ويستخدم الليبور لحساب معدلات الفائدة الربوية المطبقة في قطاع كبير من العقود والقروض والتبادل التجاري على المدى القصير . ويتم وضع الليبور من قبل جمعية المصارف البريطانية BBA عند تثبيت معدل الليبور وتتبادل ال BBA الرأي مع Libor Steering Group التي تقود نشاط ممارسي سوق المال في لندن ] كتاب معيار قياس أداء المعاملات المالية الإسلامية بديلاً عن مؤشر الفائدة ص 16 بتصرف.
ونظام الليبور نظام معتمد لدى البنوك الربوية في العالم العربي، ومع الأسف الشديد أن بعض البنوك الإسلامية قد انزلقت في هذا المنزلق الربوي الخطير، فصارت تربط أرباح بيع المرابحة للآمر بالشراء بنظام الليبور،فتكون الأرباح التي يحصل عليها البنك الإسلامي غير ثابتة، بل متغيرة مع تغير عدد الأشهر والأيام، ولا يتم البت بمقدار الربح عند توقيع عقد المرابحة، بل تُسجل مع نهاية كل شهر عند دفع القسط المستحق، بعد تسويتها مع نظام الليبور ( Libour + 3% ) أو أكثر أو أقل.
ولا بد أن نقرر أن من شروط صحة بيع المرابحة أن يكون الثمن معلوماً وأن يكون الربح معلوماً، وهذا ما قررته المجامع الفقهية والمؤسسات التي تعنى بشؤون المصارف الإسلامية، فقد جاء في المعيار الشرعي رقم 8 من معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بالبحرين المتعلق بالمرابحة ما يلي:[ يجب أن يكون كل من ثمن السلعة في بيع المرابحة للآمر بالشراء وربحها محدداً ومعلوماً للطرفين عند التوقيع على عقد البيع. ولا يجوز بأي حال أن يترك تحديد الثمن أو الربح لمتغيرات مجهولة أو قابلة للتحديد في المستقبل؛ وذلك مثل أن يعقد البيع ويجعل الربح معتمداً على مستوى الليبور الذي سيقع في المستقبل. ولا مانع من ذكر مؤشر من المؤشرات المعروفة في مرحلة الوعد للاستئناس به في تحديد نسبة الربح، على أن يتم تحديد الربح في عقد المرابحة للآمر بالشراء على أساس نسبة معلومة من التكلفة ولا يبقى الربح مرتبطاً بالليبور أو بالزمن. يجب أن يكون الربح في عقد المرابحة للآمر بالشراء معلوماً ولا يكفي الاقتصار على بيان الثمن الإجمالي، ويجوز أن يكون الربح محدداً بمبلغ مقطوع أو بنسبة مئوية من ثمن الشراء فقط أو من ثمن الشراء مضافاً إليه مبلغ المصروفات. ويتم هذا التحديد بالاتفاق والتراضي بين الطرفين. ]
وجاء في الضوابط الشرعية لهيئة الرقابة الشرعية لبنك البلاد السعودي – مصرف إسلامي – ما يلي:[ للبنك أن يُفصح عن ثمن السلعة، وربحها في بيع المرابحة للآمر بالشراء على أن يكون الثمن الإجمالي للسلعة محدداً ومعلوماً للطرفين عند التوقيع على عقد البيع. ولا يجوز بأي حال أن يربط تحديد الثمن أو الربح بأمر مستقبلي مثل مؤشر الليبور (libor) أو السيبور (sibor). ولا مانع من ذكر مؤشر من المؤشرات المعروفة في مرحلة الوعد للاستئناس به في تحديد نسبة الربح، على أن يكون الربح محدداً، ولا يبقى الربح مرتبطاً بالمؤشر أو بالزمن.]
ولا بد من توضيح ما ورد في الضوابط السابقة بخصوص الاسترشاد بمؤشر الليبور في مرحلة المواعدة في عقد المرابحة، وليس في مرحلة العقد ، فمن المعلوم أن المواعدة في المرابحة تكون قبل عقد بيع المرابحة، ولا تعتبر عقد بيع،وبالتالي لا مانع شرعاً من الاسترشاد بمؤشر الليبور في هذه المرحلة، كمؤشرٍ لتحديد نسبة الربح في البنوك الإسلامية في بيع المرابحة للآمر بالشراء وغيره من معاملاتها [فلا يوجد في الشريعة – بحسب ما نعلم- طريقة لحساب الربح، والمعول في المعاملات هو على صيغة العقد لا على طريقة الحساب، فإذا كان بيعاً وجب أن يكون مكتمل الأركان تام الشروط خالياً من الربا والغرر والغش والغبن…إلخ، فإذا توفر ذلك فلا أهمية للطريقة التي حسب بها الربح، وهذا يعني أن ربط هامش الربح بأسعار الفائدة مقبول إذا كانت صيغة البيع صحيحة] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد8، ج3/683-684. وانظر أيضاً الربح في الفقه الإسلامي ضوابطه وتحديده في المؤسسات المالية المعاصرة ص 246.
وهنالك فرق واضح بين الحالتين السابقتين وهما: 1- الاسترشاد بمؤشر الليبور لتحديد نسبة الربح في مرحلة المواعدة في بيع المرابحة للآمر بالشراء. 2- ربط الأرباح بمؤشر الليبور فتكون الأرباح غير ثابتة، بل متغيرة مع تغير عدد الأشهر والأيام، وتتم تسويتها مع النسبة العالمية للمؤشر مثل: (Libour + 2% ). ففي الحالة الأولى لا تعدو العملية عن استرشاد، فلا تؤثر في صحة العقد، بينما في الحالة الثانية يربط الربح بمؤشر الليبور، فيؤدي ذلك إلى جهالة الربح وعدم معلوميته، وهذا يؤدي إلى بطلان عقد المرابحة. لأن من شروط صحة عقد المرابحة أن يكون الربح معلوماً ومحدداً، وربطه بمؤشر الليبور ينافي ذلك حيث يجعله متذبذباً، فإذا ارتفع مؤشر الليبور ارتفع الربح وإذا انخفض مؤشر الليبور انخفض الربح. وهذا الربط بمؤشر الليبور يحول بيع المرابحة إلى معاملة باطلة، لاشتمالها على غرر فاحش مفسد للعقد.
إذا تقرر هذا فإن البنوك الإسلامية بحاجة ماسة لاعتماد مؤشرات لقياس الربح بخلاف ما هو معتمد في البنوك الربوية حتى تتميز البنوك الإسلامية في أعمالها عن البنوك الربوية وحتى تبتعد ابتعاداً تاماً عن الشبهات. وقد أوصى مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الثامن، بالإسراع بإيجاد المؤشر المقبول إسلامياً الذي يكون بديلاً عن مراعاة سعر الفائدة الربوية في تحديد هامش الربح في المعاملات .]
وقد بُحثت مسألة إيجاد المؤشر المقبول إسلامياً الذي يكون بديلاً عن مراعاة سعر الفائدة الربوية، في عدد من الندوات وكتبت بعض الأبحاث في ذلك، وخرجت بمقترحات جيدة لإيجاد مؤشر شرعي في المعاملات الإسلامية، منها ما قدمه الدكتور سامر قنطقجي [ من طرق بديلة مقترحة عن مؤشر الليبور:
1-يمكن اللجوء إلى آخر أرباح موزعة (من الممكن اللجوء إلى التوزيعات الربع سنوية) لثمانية مصارف أو مؤسسات مالية إسلامية بأخذ وسطي أقرب رقمين ، أو بأخذ وسطها الحسابي.
2- يمكن اللجوء إلى تقديرات ثمانية مصارف أو مؤسسات مالية إسلامية وأخذ وسطي أقرب رقمين.
3- البحث عن سعر التضحية المناسب لكل قطاع من قطاعات العمل واعتبار أقلها هو تكلفة الفرصة البديلة. ولما كان المؤشر هو شكل من أشكال التسعير فإن مؤشر سعر الفائدة هو عبارة عن دليل يسترشد به العاملون في السوق لتسعير أعمالهم من إقراض واقتراض أو في تقييم الاستثمارات و مقارنة ريعها وجدواها. لذلك فإن تحديد مؤشر الفائدة هو شكل من أشكال التسعير بغض النظر عن مضمونه الشرعي. ويرى ابن تيمية ضرورة التسعير عندما يخشى من الاحتكار بقوله : [ إذا امتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معنى للتسعير إلا إلزامها بقيمة المثل، فيجب أن يلتزموها بما ألزمهم الله به ] الحسبة في الإسلام ص 23. أما عن آلية تحقيق ذلك، فيقول ابن تيمية: [ ينبغي للإمام أن يجمع وجوه أهل سوق ذلك الشيء، ويحضر غيرهم استظهاراً على صدقهم فيسألهم كيف يشترون وكيف يبيعون، فينازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سداد، حتى يرضوا ولا يجبرون على التسعير ] الحسبة في الإسلام ص 40. والرضا عامل مهم في زرع الثقة والطمأنينة بين أفراد السوق مما يعني ازدهار ونمو التبادل واستقرار في الأسعار مما يؤدي لحركة تجارية تنعش الدخول، أما العكس أي إكراه البائعين على البيع بسعر معين دون النظر لتكاليفهم فإنه يؤدي إلى [ فساد الأسعار وإخفاء الأقوات وإتلاف أموال الناس ]. الحسبة في الإسلام ص 41.
وتلجأ أسواق البورصة حاليا لأمور مشابهة لتحديد أسعار الصرف، [ أما أسعار الصرف الخاصة بالعملات الأجنبية فيتم تحديدها يومياً من قبل الوسطاء المقبولين أو المعتمدين من قبل البورصة المعنية، أي المصارف بما فيها المصرف المركزي] البورصة وأسس الاستثمار والتوظيف ص 31. فابن تيمية جمع وجوه أهل السوق وفي البورصة الوسطاء المقبولين، والإمام عند ابن تيمية قابلها المصارف وزاد ابن تيمية عند تحديده للسعر بالمنازلة أي المساومة دون الإكراه. لذلك يمكن اللجوء إلى إحدى الطرق الثلاث السابقة بعد تكوين هيئة من المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية مهمتها إعداد المعيار، إضافة إلى لجنة إشراف مؤلفة من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية وأساتذة جامعيين وممارسين وخبراء من ذوي السمعة والشهرة في عالم الاستثمار، وهي التي ستكافئ الإمام عند ابن تيمية، حيث تستأنس اللجنة بالمعيار المحسوب بإحدى الطرق المذكورة سابقًا لمقابلة هيئة المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في المنازلة والمساومة وصولاً للرضا الذي يحقق مصلحة الطرفين دون إكراه.] كتاب معيار قياس أداء المعاملات المالية الإسلامية بديلاً عن مؤشر الفائدة ص 21-22.
وخلاصة الأمر أنه لا يجوز شرعاً ربط نسبة الربح في بيع المرابحة بمؤشر الليبور في مرحلة العقد، لأنه يؤدي إلى جهالة مفسدة للعقد، ولا بأس بالاستئناس بمؤشر الليبور في مرحلة المواعدة، حتى يوجد بديل لمؤشر إسلامي.