إن اختلاط الأنساب والتسبب فيه حرام حرمة بائنة، كما أن الزنى حرام قطعا، ومرتكبه يرتكب كبيرة، ويقترف حدا من حدود الله تعالى، ويلزمه التوبة.
والزنى وإن كان محرما وكبيرة ولكنه لا يؤثر على صحة عقد الزواج، مادام العقد اكتملت أركانه وشروطه، ومن سترها الله تعالى تستر على نفسها ولا تخبر أحدا بأمرها.
ولكن عليها التوبة، فإن استطاعت أن تخفي على المخلوقين حالها كيف بها أمام الله تعالى ، ولعل الله تعالى أراد لها الخير فحصنها بزواج صحيح لتبدأ بداية جادة مع الله تعالى منيبة إليه مكفرة عن ذنبها، مخلصة لزوجها.
وفي قضية الاستبراء من الزنا يقول الشيخ عبد الباري الزمزمي عضو رابطة علماء المغرب:
استبراء المرأة من الزنا ليس شرطا في صحة العقد عليها فإذا زنا الرجل بامرأة جاز له أن يعقد عليها بدون انتظار يوم ولا شهر، ويكون نكاحهما صحيحا كما أنه يجوز العقد على امرأة زانية بعد توبتها إلى الله ولو كان العقد بعد توبتها بساعة.
وإنما قال باستبراء المرأة من الزنا جماعة من أهل العلم قياسا على استبراء الأمة المسبية الذي أمر به النبي ﷺ إذ قال: لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة (رواه أبو داود والحاكم والترمذي).
والنبي ﷺ إنما أمر باستبراء الأمة المسبية لأن وطأها مشروع وولدها شرعي منسوب إلى أبيه فكان استبراؤها إجراء وقائيا لحفظ النسب وحمايته مـن الاختلاط، حتـى ينسـب ولـدها إلى أبيـه الشرعي، وقد رأى العلماء القائلون به أن هذه العلة موجودة في الزنا أيضا فأوجبوا استبراء الزانية قبل العقد عليها حتى لا تلد لزوجها ولدا ليس من صلبه، قال البغوي في شرح السنة: وإذا زنى رجل بامرأة فلا عدة عليها لأن العدة لصيانة ماء الرجل ولا حرمة لماء الزنا بدليل أنه لا يثبت به النسب ويجوز لها أن تنكح في الحال، وعند مالك لا يجوز حتى تنقضي عدتها(9/290).
وجاء في حديث البخاري أن هلال بن أمية قذف امرأته عند رسول الله ﷺ بشريك بن سحماء فقال النبي ﷺ: البينة أو حد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فجعل رسول الله ﷺ يقول: البينة وإلا حد في ظهرك …الحديث، فزنا المرأة في هذه الواقعة ثابت لا شك فيه عند زوجها لأنه رآها بنفسه إنما طالبه النبي ﷺ بالبينة لإقامة الحد على الزانيين وليس لإثبات الزنا في ذاته، ومع ذلك لم يأمر النبي ﷺ الرجل أن يستبرئ زوجته من زناها ولو على سبيل الاحتياط، وهذا دليل على أن هذا الاستبراء غير واجب.
وليس المقصود هنا البحث في حكم الاستبراء بالذات، وإنما المقصود من هذه التوطئة أن الاستبراء نفسه إذا كان محل خلاف بين العلماء لعدم قيام دليل صحيح على وجوبه فكيف يكون شرطا في صحة العقد على المرأة.