الإسلام جعل للذكر مثل حظ الأنثيين لما على الرجل من أعباء الزواج والنفقة على الزوجين والأبوين ، والمرأة تأخذ مهرا هو حق لها ، وينفق عليها ، ولكن هناك من الحالات التي يتساوى فيها الرجل والمرأة ، بل هناك من الحالات ما تأخذ المرأة أكثر من الرجل ، ولا بد من استحضار عدل الله تعالى في حكمه ، وألا يشكك في شرعه .
يقول الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي :
أمَّا التفاوت في الميراث بين الرجل والمرأة والذي جاء فيه قوله تعالى: ( يُوصيكم اللهُ في أولادِكم للذكَر مثلُ حظِّ الأنثيين)، (النساء 11) فالواضح أنه نتيجة للتفاوت بينهما في الأعباء والتكاليف المالية المفروضة على كل منهما شرعًا.
فلو افترضنا أبًا مات، وترك وراءه ابنًا وبنتًا، فالابن يتزوج فيدفع مَهرًا، ويَدخل بالزوجة فيدفع نفَقَتها، على حين تتزوَّج البنت فتأخذ مهرًا، ثم يَدخل بها زوجها، فيَلتزم بنفقتها، ولا يكلِّفها فِلْسًا، وإن كانت مِن أغنى الناس، ونفقَتها تقدَّر بقدْر حالِهِ من السَّعة والضيق، كما قال تعالى: ( لِينفِق ذو سعَةٍ مِن سَعتِه ). (الطلاق 7)
فإذا كان قد ترك لهما الأب مائة وخمسين ألفًا مثلاً، أخذ الابن منها مائة وأخته خمسين. فعندما يتزوج الابن قد يدفع مهرًا وهدايا نقدِّرها مثلاً بخمسة وعشرين ألفًا فينقُص نصيبه ليُصبح (75.000) خمسة وسبعين ألفًا، في حين تتزوَّج أختُه فتقبِض مهرًا وهدايا نقدِّرها بما قدَّرنا به ما دفع أخوها لمثلها. فهنا يزيد نصيبها فيصبح (75.000) خمسة وسبعين ألفًا، فتساوَيَا.
ثم تتزايَد أعباء الرجل ونفقاته، فهو يُنفق على أبنائه وبناته الصغار، وقد ينفق على أبويه الكبيرين إذا كانا مُعسرِين ويُنفِق على إخوته وأخواته الصغار إذا لم يكن لهم مورد، ولا عائل سواه، ويُنفق على الأقارب والأرحام بشروط معروفة، والمرأة لا يجِب عليها شيء من ذلك، إلا من باب مكارم الأخلاق.
على أن قاعدة تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليست مُطَّرِدة، ففي بعض الأحيان يكون نصيب الأنثى مثل نصيب الذكر، كما في حال ميراث الأبوين من أولادهما ممَّن له ولد، كما قال تعالى: (ولأبويه لكلِّ واحد منهُما السدُس ممَّا ترك إن كان له وَلد)،(النساء: 11)؛ وذلك لأن حاجة الأبوين في الغالب واحدة.
وكذلك حال الإخوة لأم إذا ورِثوا من أخيهم الذي لا والد له ولا ولد، وهو الذي يُورَث كلالة، كما قال تعالى: (وإنْ كان رجلٌ يُورَث كلالةً أو امرأةٌ وله أخٌ أو أختٌ فلِكلِّ واحد منهما السدُس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلُث) (النساء: 12) فهنا ترِث الأخت للأم ـ كالأخ للأم ـ السدُس، ويُشرَك الأكثر من الاثنين في الثلث بالتساوي بين الذكر والأنثى.
وهذا التساوي يُوجد في عدة حالات في الميراث معروفة لأهل الاختصاص.
بل هناك حالات يكون نصيب الأنثى فيها أعلى من نصيب الذكر، كما إذا ماتت امرأة وتَركت زوجها وأمَّها وأخوين شقيقين، وأختها لأم، فإن للأخت للأم السدس كاملاً، وللأخوين الذكرين الشقيقين السدس بينهما، لكل واحد منهما نصف السدس!.
وكذا لو ماتت المرأة وتركَت زوجَها وأختها شقيقتها، وأخًا لأب، فإن الزوج يأخذ النصف والأخت الشقيقة تأخذ النصف الباقي بعد الزوج، والأخ لأب لا يَرِث شيئًا؛ لأنه عَصَبة لم يَبق له شيء، فلو كان مكانه أخت فلها السدس يُعال لها به.
وعند ابن عباس ومَن وافقه: لو ماتت امرأة وتركت زوجًا وأبوين، فللزوج النصف، وللأم الثلث، وللأب السدس، أخذًا بظاهر قوله تعالى: (فإن لم يكُن له ولد وورِثه أبواه فلأمه الثلث) (النساء: 11) أي ثلث التَّرِكَة كلها.
رَوى ابن حزم من طريق عبد الرازق عن ابن عباس أنه قال في زوج وأبوين: للزوج النصف، وللأم الثلث من جميع المال.
وروى من طريق أبي عُوانة عن علي مثله.
قال: وروى أيضًا عن معاذ بن جبل، وهو قول شريح، وبه يقول أبو سليمان (يعني داود الظاهري).
وقال ابن مسعود: ما كان الله ليراني أُفضِّل أمَّا على أب، وهو قول عمر وعثمان وزيد بن ثابت من الصحابة، والحسن وابن سيرين والنخعي من التابعين، وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم.