جمهور العلماء على أن الحائض إذا انتهت حيضتها لا يجوز لزوجها أن يجامعها إلا بعد أن تغتسل اغتسالا شرعيا كاملا بأن تغسل جسمها كله ورأسها بنية الطهارة .
وذهب بعض الفقهاء إلى أنه يكفي أن تغسل فرجها من الأذى بعد انقطاع الحيض حتى يجوز لزوجها أن يجامعها .
على أنه لا بد للمرأة من المبادرة إلى الغسل لتتمكن من الصلاة .
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:-
جمهور الفقهاء يرون: أنه لا يجوز للزوج أن يجامع زوجته إلا بعد أن تغتسل، أي تغسل رأسها وجسدها كله بالماء. محتجين بقوله تعالى: (فاعتزلوا النساء في المحيض، ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) البقرة: 222 .
إحدى القراءتين بالتخفيف: أي (حتى يطْهرن) أي ينقطع حيضهن، والقراءة الأخرى بالتشديد: (حتى يطّهرن) أي حتى يغتسلن .
وقال الحنفية:إن انقطع الدم لأقل من عشرة أيام ـ وهي أكثر الحيض ـ لم يحل وطؤها حتى تغتسل، أو يمضي عليها وقت صلاة، وإن انقطع لعشرة أيام جاز قبل الغسل، لقوله تعالى: (حتى يطهرن) ينقطع الحيض. حملوه على العشرة. وقراءة التشديد حملوها على ما دون العشرة، عملا بالقراءتين. هكذا قالوا. ولأن ما قبل العشرة لا يحكم بانقطاع الحيض، لاحتمال عود الدم، فيكون حيضا، فإذا اغتسلت أو مضى عليها وقت صلاة: دخلت في حكم الطاهرات. وما بعد العشر حكمنا بانقطاع الحيض، لأنها لو رأت الدم لا يكون حيضا فلهذا حل وطؤها .
أما الظاهرية،فلهم رأي عبّر عنه أبو محمد ابن حزم في (محلاه) بأن الحائض إذا رأت الطهر وانقطع عنها الدم يجوز لزوجها أن يجامعها، إذا فعلت واحدة من ثلاث خصال :
1ـ الاغتسال، بأن تغسل جميع رأسها وجسدها بالماء، أو تتيمم إن كان يباح لها التيمم، وهذا مجمع عليه .
2ـ الوضوء، بأن تتوضأ وضوءها للصلاة، أو تتيمم إن كانت من أهل التيمم .
3ـ أو تغسل فرجها بالماء ولا بد .
فأي هذه الوجوه فعلت، حل لزوجها جماعها .
قال ابن حزم: برهان ذلك قول الله تعالى: (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله) البقرة: 222. فقوله: (حتى يطهرن) معناه: حتى يحصل لهن (الطهر) الذي هو عدم الحيض، وقوله تعالى: (فإذا تطهرن) هو صفة فعلهن. وكل ما ذكرنا (أي من الوضوء ومن غسل الفرج ومن التيمم) يسمى في الشريعة وفي اللغة تطهرا وطهورا وطهرا، فأي ذلك فعلت فقد تطهرت: قال الله تعالى: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) التوبة: 108 فجاء النص والإجماع بأنه (أي الطهر المذكور في الآية) غسل الفرج والدبر بالماء، وقال عليه السلام: “جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا” فصح أن التيمم للجنابة وللحدث طهور. وقال تعالى: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) وقال عليه السلام: “لا يقبل الله صلاة بغير طهور” يعني الوضوء .
ومن اقتصر بقوله تعالى: (فإذا تطهرن) على غسل الرأس والجسد كله دون الوضوء، ودون التيمم، ودون غسل الفرج بالماء، فقد قفا ما لا علم له به؛ وادعى أن الله تعالى أراد بعض ما يقع عليه كلامه بلا برهان من الله تعالى .
قال ابن حزم: ولو أن الله تعالى أراد بقوله (تطهرن) بعض ما يقع عليه اللفظ دون بعض، لما أغفل رسول الله بيان ذلك .
فإن قالوا: قولنا أحوط، قلنا: حاش لله، بل الأحوط: أن لا نحرم عليه ما أحل الله عز وجل من الوطء بغير يقين .
قال: ولم يرد عن أحد من الصحابة في هذه المسألة شيء، ولا نعلم أيضا عن أحد من التابعين، إلا عن سالم بن عبد الله، وسليمان بن يسار، والزهري، وربيعة: المنع من وطئها حتى تغتسل. ولا حجة في قولهم لو انفردوا، فكيف وقد عارضهم من هو مثلهم؟
قال ابن حزم: وممن قال بقولنا في هذه المسألة: عطاء وطاوس ومجاهد، وقول أصحابنا .
والذي أراه: أن علة النهي عن قربان الحائض هي (وجود الأذى) بنص الآية، ولهذا رتب الأمر باعتزالها على الأذى بـ (الفاء) (فاعتزلوا النساء في المحيض). فإذا انقطع الحيض، فقد ذهب الأذى الذي هو علة المنع. والحكم يدور مع علته وجودا وعدما .
ويكفي أن تغسل المرأة فرجها من أثر الدم، ليعتبر ذلك (تطهرا). فإن التطهر ـ كما قال ابن حزم ـ قد يكون بالغسل، وقد يكون بالوضوء، وقد يكون بغسل الفرج، كما في آية (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) كما دل عليه سبب نزولها، وهو المناسب من التطهر هنا بالنسبة للمرأة الحائض .