جراحات التجميل جائزة، إذا كانت ستداوي عضوا مشوها، أو تقويه، أو إزالة عاهة لا يستطيع أن يعيش الإنسان بها دون حرج، أما إذا كان الهدف من وراء هذا هو الجمال وحده، أو المبالغة في الجمال وتغيير خلق الله عز وجل، فهذا لا يجوز .

يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر :

أهمية الزينة في الشريعة :

لا يُماري أحد في أن التجميل والتَّزَيُّن أمر رغَّب الشارع فيه كلاًّ من الرجل والمرأة على السواء؛ فإن الله تعالى جميل يحب الجمال، كما رَوَى ابن مسعود عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَتَجَمَّل ويَتَزَيَّن ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وكان يأمر أصحابَه بذلك، ومن ذلك ما رواه أبو الأحوص عن أبيه قال: أتيتُ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعليَّ ثياب دون، فقال: ألك مال؟ قلت: نعم، قال: من أي المال؟ قلت من كل المال قد أعطاني الله تعالى، قال: فإذا أتاك الله مالًا فلْيَرَ نعمةَ الله عليك وكرامته.

جراحات التجميل الجائزة والتأصيل الشرعي :

حدَثَتْ طفرة هائلة في مجال الجراحات التجميلية، سواء في ذلك الجراحات التي تعالج عيبًا في الإنسان يُؤذِيه، ويؤلمه بدنيًّا أو نفسيًّا، أو تلك التي يَقصِد بها تغيير الخلق ابتغاء للحُسْن والجمال، أو لمزيد منهما.

ولا يُمنَع في الشريعة الإسلامية إجراء الجراحات التجميلية إذا كان يُقصَد بها معالجة العيوب التي تؤذِي الإنسان وتُؤلِمُه، أو تسبِّب إعاقته عن العمل أو إجادته، أو القيام به على وجهه، ومِن ثَمَّ فإنه يجوز شرعًا إزالة السن الزائدة أو تقصير الطويلة ، أو إزالة الإصبع الزائدة، أو الأكياس الدهنية التي تظهر في مواضع مختلفة من البدن، أو إزالة الدهون المتجمِّعة على البطن إذا كانت تضر بصاحبها ضررًا لا يُرجَى زواله إلا بإزالتها، كما يجوز ترقيع الجلد المحتَرِق أو المصاب، سواء كان الترقيع بجلود طبيعية أو ببدائل مُباحَة أخرى أو وضع عجينة تُعَوِّض المرأة عن المظهر الجمالي للصدر إذا استُؤْصِل الثديان أو أحدهما بسبب مرض أو جناية.

وذلك لأن هذا كله يُعد من التداوي الذي رغَّب فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أحاديث عدة، منها:

-ما رُوِي عن أسامة بن شُريك قال: كنت عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله أنتَدَاوَى؟ فقال: نعم يا عباد الله تداووا، فإن الله ـ عز وجل ـ لم يضعْ داءً إلا وضع له شفاء غير داء واحد، قالوا: ما هو؟ قال الهَرَم” .

-ورُوِي عن أبي هريرة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء”.

-ورُوِيَ عن جابر أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “لكلِّ داءٍ دواءٌ، فإذا أصيب دواءُ الداءِ بَرِئ بإذن الله تعالى”.

-وقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتداوَى من الأمراض المختلفة التي كانت تصيبه؛ إذ رُوِيَ عن عائشة قالت: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَ يَسْقَمُ عِنْدَ آخِرِ عُمْرِهِ، فَكَانَتْ تَقْدَمُ عَلَيْهِ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَنْعَتُ لَهُ الْأَنْعَاتَ وَكُنْتُ أُعَالِجُهَا لَهُ فَمِنْ ثَمَّ.

كما يجوز شرعًا اتخاذ السن والأنف أو الإصبع أو الأنملة أو الأذن أو الدِّعامة فوق السن أو الوصَلات التعويضية من الذهب أو الفضة؛ لِما رُوي عن عبد الرحمن بن طرفة أن جدَّه عرفجة بن أسعد الكناني أصيب أنفُه يومَ الكُلاب، فاتخذ أنفًا من فضة فأنْتَنَ عليه، فأمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن يتخذ أنفًا من ذهب”.

ورُوي عن ابن عمر أن أباه سقطت ثَنِيَّته فأمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يشدَّها بذهب”، ورُوي عن عبد الله بن أُبَيِّ بن سَلول قال: انْدَقَّتْ ثَنِيَّتِي يومَ أُحَد، فأمرني النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن أَتَّخِذ ثَنِيَّة من ذهب”، ورُوُي أن كثيرًا من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانوا يَشُدُّون أسنانَهم بالذهب منهم عثمان بن عفان وأنس بن مالك وموسى بن طلحة وغيرهم.

التجميل من أجل الزينة فقط :

وأما الجراحات التجميلية التي يُقْصَد بها تغيير الخَلْق ابتغاءً للحُسْن والجمال، أو المزيد منهما، وذلك كعمليات شد الوجه والرقبة، وتصغير الشفتين أو الأنف، وتكبير الثديين، وتفليج الأسنان، ونحو ذلك فإنه لا يجوز شرعًا إجراء ذلك لِما فيه من تغيير خلق الله سبحانه، وقد نهى الشارع عنه، من ذلك:

-قول الله تعالى: (وإنْ يَدْعونَ إلا شيطانًا مَريدًا. لَعَنَه اللهُ وقال لأتَّخِذَنَّ من عبادِكَ نصيبًا مفروضًا. ولأُضِلَّنَّهُمْ ولأُمُنِّيَنَّهم ولأَمُرَنَّهُم فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الأنعامِ ولأَمُرَنَّهم فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ ومَنْ يَتَّخِذِ الشيطانَ وَليًّا مِن دونِ اللهِ فقد خَسِرَ خُسْرانًا مُبينًا). -وقال سبحانه: (صِبْغَةَ اللهِ ومَن أحْسَنُ مِن اللهِ صِبْغَةً ونحنُ له عابدون).

-ورُوي عن ابن مسعود أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:” لَعَنَ الله الواشماتِ والمُسْتَوْشِماتِ والواصلاتِ والمُسْتَوْصلاتِ والنَّامِصاتِ والمُتَنَمِّصاتِ والمُتَفَلِّجاتِ للحُسْنِ المُغَيِّراتِ خَلْقَ الله”.

ومن تغيير خلق الله سبحانه صَبْغ الشعر لغير حاجة تغيير الشيب، ووضع المرأة الصِّبْغ على وجهها أو نحوه، ووضع العدَسات اللاصقة المُلَوَّنة لإيهام الناظر إليها بأن هذا هو لون العينين، أما وضعهما لحاجة الإبصار فلا بأس به، ومنه أيضًا إزالة الشعر من أطراف الوجه وترقيق الحواجب للنهي عنه في الحديث، إلا أن يكون قد ظهر للمرأة شارب أو عنفُقة أو ذقَن أو نحو ذلك، فلا تَحْرُم إزالته، وإن لم تكن ذات زوج؛ ذلك لِما رُوي عن امرأة أبي إسحاق أنها سألت عائشة فقالت: “المرأة تَحِفُّ جبينَها لزوجها؟ فقالت: أميطي عنكِ الأذى ما استعطتِ”.

ومن تغيير خَلْق الله تعالى وَصْل المرأة شعرَها بشعر آخر، سواء كان شعرًا صناعيًّا أو لآدمي للحديث السابق، وقد مَنَع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وَصْلَ الشعر ولو كانت المُسْتَوْصِلة قد زال بعضُ شعرها لعاهة أو مرض، ولو كانت تريد الزواج وتخشى نفورَ الزوج منها لهذا السبب، وذلك للحديث السابق، ولِمَا رُوِيَ عن عائشة أن جارية من الأنصار تزوجت، وأنها مَرِضَت فتَمَعَّطَ شعرُها، فأرادوا أن يَصلوها فسألوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ” لَعَنَ الله الواصلةَ والمُسْتَوْصِلة”، ورُوي عن أسماء بنت أبي بكر قالت: “سألتْ امرأةٌ النبيَّ ـ صلى الله عيه وسلم ـ فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي أصابتها الحَصْبة فأُمْرِقَ شعرُها، وإني زوَّجْتُها، أفَأصِلُ فيه، فقال: لعن الله الواصلة والمستوصلة”.

وليس من تغيير خَلْق الله تعالى صَبْغ الشَّيْب بالحِنَّاء وما كان مثله، وسواء في حِلِّ هذا الرجال والنساء، وقد رَخَّص في صبغ الشيب بالصبغ الأسود طائفة من السلَف، ورُوي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه رغَّب في تغيير الشَّيْب، وقال: “إنَّ أحسنَ ما غيَّرْتم به هذا الشيب الحِنَّاء والكَتَم”.