اختلف العلماء في حكم تولي المرأة القضاء إلى ثلاثة اتجاهات :
1-اتجاه يحرم توليها في كل مجالات الحكم، وإن تجاسرت وتولت فحكمت فلا ينفذ حكمها في أي مجال حكمت به حتى لو أصابت في حكمها- وهم الجمهور.
2-واتجاه يؤثمها لكنه ينفذ أحكامها في غير الحدود والقصاص متى وافق حكمها الصواب وهم جمهور الحنفية.
3-والاتجاه الثالث يرى جواز حكمها ونفاذه في كل شيء وممن قال بذلك الطبري وابن حزم.
والراجح الاتجاه الثاني.
حكم تولي المرأة للقضاء:
يقول الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية:
قضاء المرأة هو أحد القضايا الكبرى التي اختلف حولها فقهاء الإسلام، فهناك فريقان من العلماء أو بالأحرى ثلاثة فرقاء وإن كان كثير من الكاتبين والمثقفين يتصور أن في المسألة رأيين فقط ،لكن كما قلت: بالتحقيق العلمي هناك ثلاثة فرقاء:
الفريق الأول:
هو جمهور العلماء ،والمقصود بالجمهور هنا هم الغالبية العظمى من علماء الامة وفيهم جمهور المالكية ومعهم فقهاء الشافعية والحنابلة وزفر أحد تلاميذ أبي حنيفة الثلاثة المشهورين والشيعة الإمامية: أن المرأة لا يجوز أن تتولى القضاء، ولو حكمت في أي قضية من القضايا فلا ينفذ قضاؤها سواء أكانت من القضايا التي تصح شهادتها فيها كالأموال والرضاعة أم لا، فالذكورة عند جمهور العلماء شرط لجواز التولية لمنصب القضاء وصحة أحكامه.
الفريق الثاني: فهو فقهاء الحنيفة غير زفر ـ وهؤلاء يرون أنه لا يجوز تولية المرأة القضاء كما يقول جمهور العلماء ، وهذا الفريق يتفق مع رأي جمهور العلماء، لكنهم يزيدون: أن المرأة لو وليت هذا المنصب مع إثمها وإثم من ولاها فحكمت فإنه ينفذ حكمها في الأمور التي يصح لها أن تشهد فيها، وهي ما عدا مسائل الحدود والقصاص ، فالحنفية هنا غير زفر
يرون كما يرى الجمهور أن قضاء المرأة في الحدود والقصاص لا ينفذ ولو كان ما قضت به موافقا للحق ، أما إذا حكمت في غير الحدود والقصاص فمع عدم جواز التولية من الأصل فإنه ينفذ حكمها .
ويتبين من مذهب الحنفية عدا أن الذكورة شرط جواز للتولية لا شرط صحة الحكم ، ويحصل أن رأي الحنفية فقد فهم من كثيرين على غير حقيقته ، ولهذا نجد كثيرا من الكاتبين في مسألة تولي المراة القضاء يقولون:
الحنفية يرون جواز تولي المرأة القضاء في غير الحدود والقصاص. وهذا خطأ، ورأيهم كما بينت أنهم متفقون مع الجمهور في أنه لا يجوز توليتها القضاء، لكن الخلاف بينهم وبين الجمهور أنها لو وليت فعلا هذا المنصب وحكمت في بعض القضايا فإن الجمهور يرى أنه لا ينفذ الحكم، غير ان فقهاء الحنفية عدا زفر يقولون: أنه ينفذ حكمها مع إثم من
ولاها في غير الحدود والقصاص ، وهذا الرأي لا نقوله استنتاجا وإنما هو ما تنطق به كتب الحنفية.
فيقول الغزي أحد كبار كبار فقهائهم لكتاب له يسمى تنوير الأبصار والمرأة تقضي في غير حد وقود ـ أي قصاص ـ وإن أثم موليها وهو أيضا ماقاله صاحب كتاب مجمع الأنهر الأنهر ويجوز قضاء المرأة في جميع الحقوق لكونها من أهل الشهادة ، لكن أثم المولي لها لحديث لم يفلح قوم ولوا أمرهم أمرأة في غير حد وقود ، إذ لا يجري فيهماـ القصاص والحدود ـ شهادتها.
ومن الواضح أن قول صاحب مجمع الأنهر ويجوز قضاء المرأة ان مراده صحة الحكم لا إباحة التولية؛ لأنه قال لكن أثم المولي لها، ونجد هذا الرأي أيضا يقول به الكمال بن الهمام وهو أحد كبار فقهاء الحنفية ، ويمكن أن نقول : إنه بلغ درجة الاجتهاد في المذهب ، فقال في مناقشته بما يستدل به جمهور العلماء : والجواب أن غاية ما يفيد ـ اي دليل الجمهورـ منع من تستقضى ، وعدم حله ، والكلام فيما لو وليت، وأثم المقلد لذلك ، أو حكمها خصمان، فقضت قضاء موافقا لدين
الله، فكان ينفذ أم لا؟ ، لم ينتهض ـ الدليل على نفيه بعد موافقته ما أنزل الله وكلام ابن الهمام واضح في أنه مع الجمهور بعدم صحة التولية من الأصل، لكنه يقول كما يقول الحنفية بتنفيذ ما تقضي المرأة إذا وليت القضاء في غير الحدود والقصاص.
أما الفريق الثالث: فيرى جواز تولية المرأة القضاء ، ومن هذا الفريق الإمام ابن جرير الطبري ، وابن حزم الظاهري، وابن القاسم أحد كبار فقهاء المالكية، فهذا الفريق يرى جواز تولية المرأة القضاء وتنفيذ ما حكمت به ، إلا أن هذا الفريق مختلفون في الأمور التي تقضي فيها المرأة، فابن جرير وابن حزم الظاهري يريان أنها تقضي في كل ما يصح لها
أن تشهد فيها ، والمرأة عندهما يجوز لها أن تشهد في كل شيء.
وأما ابن القاسم من المالكية فيرى أن شهادة المرأة لا تصلح إلا في قضايا الأموال، وما لا يطلع عليه الرجال غالبا كالولادة وخروج المولود صارخا وعيوب النساء التي تحت الثياب، ولا مجال هنا لتفسير الأدلة .
الترجيح بين أقوال الفقهاء في تولي المرأة للقضاء:
يقول الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية:كنت قد رجحت رأي الجمهور في البداية ، لكني ارضتيت فيما بعد الرأي القائل بأنه يجوز تولية المراة القضاء لكن في غير القصاص والحدود لأن طبيعة المرأة قد تتفق مع طبيعة هذه القضايا ، ويحسن أن نلاحظ أن القضاء بدايته النيابة العامة، وليس من المتصور المقبول أن تذهب المرأة عندما تتولى النيابة العامة لتشاهد جريمة قتل بشعة، وأذكر أن قاضية في روما كان معروضا عليها قضية قتل بشعة ، فأصيبت بالإغماء عند سماعها تفاصيل هذه الجريمة؛ لأن المجرم فيها قام بتقطيع أعضاء المجني عليه قبل أن يفارق الحياة، وهذه الواقعة نشرتها صحيفة الاتحاد التي تصدر في أبو ظبي في 23 فبراير عام 1988 .
ولا يتصور أن تنظر المرأة جريمة الزنا مثلا، وهي إحدى قضايا الحدود ؛ لأنه يؤدي سماعها لتفصيل وصف الشهود بوقوع الجريمة إلى إيذاء مشاعر المرأة القاضية بجرح أنوثتها وخدش حيائها.