النهي عن تمشيط الشعر كل يوم ليس نهي تحريم ولكن النهي الوارد في الحديث يدل على الكراهة التنزيهية، والمقصود عدم المبالغة في تمشيط الشعر وعدم الإسراف في إكرامه، وهذا ما يتفق مع النصوص الأخرى التي جاءت بالحث على إكرام الشعر بتنظيفه ودهنه وتمشيطه، ولكن المطلوب هو الاعتدال وعدم المبالغة..

يقول الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:

الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي والبيهقي ولفظه (عن حميد بن عبد الرحمن قال لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة رضي الله عنه أربع سنين قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله أو يغتسل الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل وليغترفا جميعاً ) والحديث قال عنه الإمام النووي:رواه أبو داود بإسناد حسن .المجموع 1/293 وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/9.

ويجب أن يُعلم أن النهي في الحديث ليس للتحريم وإنما لكراهة التنزيه فليس كل نهي وارد في الشرع يدل على التحريم ، فإن كثيراً من النواهي الشرعية تدل على الكراهة التنزيهية وقد عجبت ممن جمعوا أحاديث النواهي الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحشروها في باب واحد وكأنها كلها تدل على التحريم مما أوقع كثيراً من طلبة العلم الشرعي في إشكالات كثيرة وكان الواجب أن يبينوا إما بياناً إجمالياً أو بياناً تفصيلياً أن من أحاديث النواهي ما هو محمول على الكراهة التنزيهية حتى يكون طلبة العلم على بصيرة.

والمراد من الحديث المذكور أنه لا ينبغي أن يكون المسلم مترفهاً منعماً يهتم كثيراً بتسريح شعره على سبيل المبالغة في ذلك وخير الأمور الوسط ومثله ما ورد في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن الترجل إلا غباً ) رواه أبو داود والترمذي وصححه والترجل والترجيل : تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه.

وقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏إلا غباً‏)‏ أي يوماً بعد يوم فلا يكره بل يسن فالمراد النهي عن المواظبة عليه والاهتمام به لأنه مبالغة في التزيين وتهالك به كما قاله المناوي في فيض القدير 6/404.

ومما يدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عبد الله بن بريدة أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر فقدم عليه وهو يمد ناقة له فقال إني لم آتك زائراً إنما أتيتك لحديث بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوت أن يكون عندك منه علم فرآه شعثاً فقال ما لي أراك شعثاً وأنت أمير البلد ؟ قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عن كثير من الإرفاه) رواه

أبو داود والنسائي وغيرهما والإرفاه من الرفاهية وهي السعة والدعة والتنعم.

ويضاف إلى ذلك أنه قد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في العناية بالشعر وتنظيفه وتسريحه منها: عن أبي هريرة رضي الله عنه ‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من كان له شعر فليكرمه‏)‏‏.‏ رواه أبو داود‏ وقال صاحب عون المعبود : [ قوله ( من كان له شعر فليكرمه ) أي فليزينه ولينظفه بالغسل والتدهين والترجيل ولا يتركه متفرقاً فإن النظافة وحسن المنظر محبوب ] عون المعبود شرح سنن أبي داود 11/147

‏وقال الشوكاني:[ الحديث قال في الفتح‏:‏ وإسناده حسن وله شاهد من حديث عائشة في الغيلانيات وإسناده حسن أيضاً وسكت عنه أبو داود والمنذري وقد صرح أبو داود أيضاً أنه لا يسكت إلا عما هو صالح للاحتجاج ورجال إسناده أئمة ثقات‏.‏

وفيه دلالة على استحباب إكرام الشعر بالدهن والتسريح وإعفائه عن الحلق لأنه يخالف الإكرام إلا أن يطول كما ثبت عند أبي داود والنسائي وابن ماجه من حديث وائل بن حجر رضي الله عنه قال‏:‏ ‏(‏أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ولي شعر طويل فلما رآني قال‏:‏ ذباب ذباب قال‏:‏ فرجعت فجززته ثم أتيته من الغد فقال‏:‏ إني لم أعنك‏) و‏قوله‏:‏ ذباب‏.‏ قال صاحب النهاية‏:‏ الذباب الشؤم أي هذا شؤم.

وأخرج مالك عن عطاء بن يسار قال‏:‏ ‏(‏أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس واللحية فأشار إليه رسول صلى الله عليه وسلم كأنه يأمره بإصلاح شعره ولحيته ففعل ثم رجع فقال صلى الله عليه وسلم: أليس هذا خير من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان‏)‏ والثائر الشعث بعيد العهد بالدهن والترجيل‏.

‏ وعن أبي قتادة‏ رضي الله عنه ‏ (‏أنه كانت له جمة ضخمة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يحسن إليها وأن يترجل كل يوم ‏)‏‏.‏ رواه النسائي‏.‏

قال الشوكاني أيضا ً: [ الحديث رجال إسناده كلهم رجال الصحيح وأخرجه أيضًا مالك في الموطأ ولفظ الحديث عن أبي قتادة قال‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول اللَّه إن لي جمة أفأرجلها قال‏:‏ نعم وأكرمها)‏ فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين من أجل قوله‏ صلى الله عليه وسلم نعم وأكرمها‏.] نيل الأوطار 1/239-241 بتصرف.

وذكر المناوي أن حديث أبي قتادة محمول على أنه كان محتاجاً للترجيل كل يوم لغزارة شعره أو هو لبيان الجواز وذكر الحافظ السيوطي في حاشية أبي داود قال الشيخ ولي الدين العراقي في حديث أبي داود نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن يمتشط أحدنا كل يوم) هو نهي تنزيه لا تحريم ، والمعنى فيه أنه من باب الترفه والتنعم فيجتنب ، ولا فرق في ذلك بين الرأس واللحية فيض القدير 6/404.

وروى الإمام البخاري بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم ( يصغي إلي رأسه وهو مجاور في المسجد فأرجله وأنا حائض).

وأخرج الترمذي في الشمائل عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يكثر دهن رأسه ، وتسريح لحيته).

وذكر العلامة ابن القيم: حديث(من كان له شعر فليكرمه) وحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن الترجل إلا غباً) وردَّ على من قال بوقوع التعارض بينهما فقال: [والصواب: أنه لا تعارض بينهما بحال ، فإن العبد مأمور بإكرام شعره ، ومنهى عن المبالغة والزيادة في الرفاهية والتنعم ، فيكرم شعره ، ولا يتخذ الرفاهية والتنعم ديدنه ، بل يترجل غباً . هذا أولى ما حمل عليه الحديثان ، وبالله التوفيق .] حاشية ابن القيم مطبوعة مع عون شرح سنن أبي داود 11/147.

وخلاصة الأمر أنه ينبغي للمسلم أن يحافظ على شعره ويكرمه وينظفه دون مبالغة في ذلك.