دار الإفتاء المصرية ترى أنه لا مانع شرعاً من ترقيع قرنية العين بشروط وضوابط ، وهي :
الضرورة القصوى للنقل ، وأن يكون محققاً لمصلحةٍ مؤكَدةٍ للمنقول إليه ، وألا يؤدي إلى ضررٍ بالمنقول منه، وأن يكون بدون مقابل ماديٍّ أو معنويٍّ، وأن يكون قد تحقق موت المنقول منه العضو، بصدور قرار كتابي من اللجنة الطبية قبل النقل مع العلم بهذه الشروط، وأن يكون بإذن المنقول منه باختياره وعلمه .

وهذا نص دار الافتاء :
من المعلوم بالضرورة شرعا أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وفضله على سائر خلقه وارتضاه وحده ليكون خليفته ، في الأرض فقال تعالى : “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلاً “.

والإنسان ملك لله وحده ، وهو تعالى الذي صنعه ، وليس لأحد من الخلق أن يتصرف في هذا المخلوق تصرفاً يضر به أو يؤدي إلى إفساده أو إهلاكه ، ولذا منع الإنسان من إلحاق أي ضررٍ بذاته أو بجزء من أجزائه ، ولهذا وردت النصوص الشرعية الكثيرة التي تحرم الاعتداء على الآخرين كما تحرم الاعتداء على النفس ، من ذلك قوله تعالى: “ومن يقتل مؤمنا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا “.

وقد أمرت الشريعة الإسلامية الإنسان بالمحافظة على ذاته ، ومنع الأذى والضرر والهلاك ، واتخاذ كل سبل العلاج والشفاء، وخصت الشريعة الإسلامية للإنسان عند الاضطرار أن يتناول من المحرمات التي حرمت عليه ما يحفظ عليه حياته ويمنع عنه الهلاك المحقق ، قال تعالى: “فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه “.

فإذا لم ينقذ الإنسان من هلاكٍ محققٍ إلا إذا أخذ جزءاً من غيره حياً أو ميتاً ، ولم توجد وسيلة أخرى لمنع هذا الهلاك إلا بذلك الأخذ ؛ وقال أهل الخبرة الطبية العدول: إن ذلك يحقق النفع المؤكد للآخذ ، ولا يؤدي إلى ضررٍ بالمأخوذ منه ، ولا يؤثر على صحته وحياته وعمله ؛ فإنه لا مانع شرعاً من الترخيص، وهو من باب التضحية والإيثار المأمور بهما في قوله تعالى: “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة” ولا يخرج تصرف الإنسان في جسده بما يحقق المصلحة له ولغيره عن ذلك الإذن العام من الله في الكون للإنسان لتحقيق شرع الله ومنهجه في كونه وفي خلقه والضوابط الشرعية التي تحقق المصلحة له ولغيره.

وكما يجوز أخذ عضو من الإنسان الحي إلى الحي لإنقاذه من هلاك محقق حالٍ أو مستقبلٍ في المآل ، فإنه يجوز الأخذ من الميت إلى الحي لإنقاذه من الهلاك أو لتحقيق مصلحة ضرورية له.
فالإنسان الميت مثل الحي في التكريم إلا أنه لا يؤثر فيه ما يؤخذ منه بعد موته من أجزاء تقوم عليها حياة لإنسان آخر بعده ، فمصلحة الحي مقدمة على مصلحة الميت ، لأن الحي مستمر في خلافته لله في الأرض ويعبد الله وحده كما أراد سبحانه، ولا يعتبر النقل من الميت إلى الحي من باب التعدي عليه أو الإيذاء له ، بل هو ترخيصٌ من الشارع وبإذنٍ منه ، وهو من باب ا لإيثار ، وهو بعد ذلك للميت من باب الصدقة الجارية مدة حياة المنتفع المستفيد.

وهذا الترخيص والجواز يشترط فيه أن يكون بعيداً عن البيع والشراء والتجارة بأي حالٍ ، وبدون أيّ مقابلٍ ماديٍّ مطلقاً للمعطي صاحب العضو إن كان حيا أو لورثته إن كان ميتا.

ويشترط في جميع الأحوال وجوب مراعاة الضوابط الشرعية التالية للترخيص بنقل الأعضاء الآدمية من الحي إلى الحي ومن الميت إلى الحي :

1- الضرورة القصوى للنقل بحيث تكون حالة المنقول إليه المرضية في تدهور صحي مستمر ، ولا ينقذه من ذلك إلا نقل عضوٍ سليمٍ إليه من إنسان آخر بينهما درجة قرابة حتى الدرجة الثانية ويجوز الانتقال حتى الدرجة الرابعة إذا حالت الضرورة دون النقل من الدرجات السابقة ، ويقدر ذلك أهل الخبرة الطبية العدول ، شريطة أن يكون المأخوذ منه قد وافق على ذلك حالة كونه عاقلاً بالغاً مختاراً.

2- أن يكون هذا النقل محققاً لمصلحةٍ مؤكدةٍ للمنقول إليه من الوجهة الطبية ، ويمنع عنه ضرراً مؤكداً يحل به باستمرار العضو المصاب المريض بدون تغيير.

3- ألا يؤدي نقل العضو إلى ضررٍ بالمنقول منه ضرراً محققاً يضر به كلياً أو جزئياً ، أو يمنعه من مزاولة عمله الذي يباشره في الحياة مادياً أو معنوياً ، أو يؤثر عليه سلبياً في الحال أو المآل بطريقٍ مؤكَدٍ من الناحية الطبية ، لأن مصلحة المنقول إليه ليست بأولى من الناحية الشرعية من مصلحة المنقول منه ، لأن الضرر لا يزال بضررٍ مثله ، إذ لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ، ويكفي في ذلك المصلحة الغالبة الراجحة.
والضرر القليل المحتمل عادةً وعرفاً وشرعاً لا يمنع هذا الجواز في الترخيص إذا تم العلم به مسبقا وأمكن علاجه أو الوقاية منه مادياً ومعنوياً بالنسبة للمنقول منه ، والذي يحدد ذلك هم أهل الخبرة الطبية العدول.

4- أن يكون هذا النقل بدون أي مقابل مادي أو معنوي مطلقا بالمباشرة أو الواسطة.

5- صدور إقرار كتابي من اللجنة الطبية قبل النقل بالعلم بهذه الشروط والضوابط ، وإعطائه لذوي الشأن من الطرفين المنقول منه العضو والمنقول إليه قبل إجراء العملية الطبية على أن تكون هذه اللجنة متخصصة ولا تقل عن ثلاثة أطباء عدول وليس لأحدٍ منهم مصلحةٌ في عملية النقل.

6- أن يكون المنقول منه العضو قد تحقق موته بالمفارقة التامة للحياة موتاً كلياً ويستحيل عودته للحياة مرةً أخرى بشهادة ثلاثةٍ من أهل الخبرة العدول مكتوبةٍ وموثّقةٍ منهم.

7- الضرورة القصوى للنقل بحيث تكون حالة المنقول إليه المرضية في تدهور مستمر ولا ينقذه من وجهة النظر الطبية إلا نقل عضوٍ سليمٍ من إنسان آخر حيٍّ أو ميتٍ ، ويكون محققاً للمنقول إليه مصلحةٌ ضروريةٌ لا بديل عنها.

8- أن يكون الميت المنقول منه قد أوصى بهذا النقل في حياته وهو بكامل قواه العقلية وبدون إكراه مادي أو معنوي ، عالما بأنه يوصي بعضوٍ معينٍ من جسده إلى إنسان آخر بعد مماته.

9- إذا لم تكن هناك وصية من الميت بالنقل منه ولا إذن من الورثة الشرعيين للميت ، بأن كان المتوفى مجهول الشخصية فيكون الترخيص بنقل العضو بإذن من النيابة العامة أو ولي الأمر في الدولة.

10- أن لا يكون العضو المنقول من الميت إلى الحي مؤدياً إلى اختلاط الأنساب بأي حالٍ من الأحوال .