عقود البورصة متنوعة، ومتداخلة: فمنها ما هو عاجل، ومنها ما هو آجل، ومنها ما يجري على السلع أو البضائع ومنها ما يجري على الأوراق المالية، ومن ثم فإنه لا يمكن إعطاء حكم شرعي واحد عام بشأنها بل لابد من بيان أحكام كل عقد على حدة.
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور صلاح الصاوي –الأمين العام لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا-:
فإن البورصة سوق منظمة يجري فيها التعامل بشراء السلع أو الأوراق المالية – تضم سماسرة يعملون وسطاء بين البائعين والمشترين.
وغايتها إيجاد سوق مستمرة ودائمة يتلاقى فيها العرض والطلب والمتعاملون بيعا وشراء فتؤدي إلى تحقيق بعض الفوائد كما تتضمن كثيرا من المفاسد.
وللبورصة آثار إيجابية وأخرى سلبية:
فمن آثارها الإيجابية:
1 – أنها تقيم سوقا دائمة تسهل تلاقي البائعين والمشترين وتعقد فيها العقود العاجلة والآجلة على الأسهم والسندات والبضائع.
2 – أنها تسهل عملية تمويل المؤسسات الصناعية والتجارية والحكومية عن طريق طرح الأسهم وسندات القروض للبيع.
3 – أنها تسهل بيع الأسهم وسندات القروض للغير والانتفاع بقيمتها لأن الشركات المصدرة لها لا تصفي قيمتها لأصحابها.
4 – أنها تسهل معرفة ميزان أسعار الأسهم وسندات القروض والبضائع، وتموجاتها في ميدان التعامل عن طريق حركة العرض والطلب.
ومن آثارها السلبية:
1 – أن العقود الآجلة التي تجري في هذه السوق ليست في معظمها بيعا حقيقيا، ولا شراء حقيقيا، لأنها لا يجري فيها التقابض بين طرفي العقد فيما يشترط له التقابض في العوضين أو في أحدهما شرعا.
2 – أن البائع فيها غالبا يبيع ما لا يملك من عملات وأسهم أو سندات قروض أو بضائع على أمل شرائه من السوق وتسليمه في الموعد، دون أن يقبض الثمن عند العقد كما هو الشرط في السلم.
3 – أن المشتري فيها غالبا يبيع ما اشتراه لآخر قبل قبضه، والآخر يبيعه أيضا لآخر قبل قبضه، وهكذا يتكرر البيع والشراء على الشيء ذاته قبل قبضه، إلى أن تنتهي الصفقة إلى المشتري الأخير الذي قد يريد أن يتسلم المبيع من البائع الأول الذي يكون قد باع ما لا يملك، أو أن يحاسبه على فرق السعر في موعد التنفيذ، وهو يوم التصفية، بينما يقتصر دور المشترين والبائعين غير الأول والأخير على قبض فرق السعر في حالة الربح، أو دفعه في حالة الخسارة، في الموعد المذكور، كما يجري بين المقامرين تماما.
4 – ما يقوم به الممولون من احتكار الأسهم والسندات والبضائع في السوق للتحكم في البائعين الذين باعوا ما لا يملكون على أمل الشراء قبل موعد تنفيذ العقد بسعر أقل، والتسليم في حينه، وإيقاعهم في الحرج.
5 – إن خطورة السوق المالية هذه تأتي من اتخاذها وسيلة للتأثير في الأسواق بصفة عامة، لأن الأسعار فيها لا تعتمد كليا على العرض والطلب الفعليين من قبل المحتاجين إلى البيع أو إلى الشراء، وإنما تتأثر بأشياء كثيرة بعضها مفتعل من المهيمنين على السوق، أو من المحتكرين للسلع أو الأوراق المالية فيها، كإشاعة كاذبة أو نحوها، وهنا تكمن الخطورة المحظورة شرعا، لأن ذلك يؤدي إلى تقلبات غير طبيعية في الأسعار، مما يؤثر على الحياة الاقتصادية تأثيراً سيئاً.
ولذلك قد أثارت سوق البورصة جدلا كبيرا بين الاقتصاديين، والسبب في ذلك أنها سببت في فترات معينة من تاريخ العالم الاقتصادي ضياع ثروات ضخمة في وقت قصير، بينما سببت غنى للآخرين دون جهد، حتى إنه في الأزمات الكبيرة التي اجتاحت العالم طالب الكثيرون بإلغائها، إذ تذهب بسببها ثروات، وتنهار أوضاع اقتصادية في هاوية، وبوقت سريع، كما يحصل في الزلازل والانخسافات الأرضية.
الأحكام الشرعية لعقود البورصة:
عقود البورصة متنوعة، ومتداخلة: فمنها ما هو عاجل، ومنها ما هو آجل، ومنها ما يجري على السلع أو البضائع ومنها ما يجري على الأوراق المالية، ومن ثم فإنه لا يمكن إعطاء حكم شرعي واحد عام بشأنها بل لابد من التفصيل وبيان أحكام كل عقد على حدة.
ولقد كان تفصيل الأمر وإعطاء كل نوع حكمه هو الذي انتهى إليه المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة المنعقدة عام 1404هـ بمكة المكرمة فقد نص في هذا الصدد على ما يلي:
أولا – أن العقود العاجلة على السلع الحاضرة الموجودة في ملك البائع التي يجري فيها القبض فيما يشترط له القبض في مجلس العقد شرعا هي عقود جائزة، ما لم تكن عقودا على محرم شرعا، أما إذا لم يكن المبيع في ملك البائع فيجب أن تتوافر فيه شروط بيع السلم، ثم لا يجوز للمشتري بعد ذلك بيعه قبل قبضه.
ثانيا – أن العقود العاجلة على أسهم الشركات والمؤسسات حين تكون تلك الأسهم في ملك البائع جائزة شرعا، ما لم تكن تلك الشركات أو المؤسسات موضوع تعاملها محرم شرعا كشركات البنوك الربوية وشركات الخمور، فحينئذ يحرم التعاقد في أسهمها بيعا وشراء.
ثالثا – أن العقود العاجلة والآجلة على سندات القروض بفائدة بمختلف أنواعها غير جائزة شرعا، لأنها معاملات تجري بالربا المحرم.
رابعا – أن العقود الآجلة بأنواعها، التي تجري على المكشوف، أي على الأسهم والسلع التي ليست في ملك البائع، بالكيفية التي تجري في السوق المالية (البورصة) غير جائزة شرعا لأنها تشتمل على بيع الشخص ما لا يملك، اعتمادا على أنه سيشتريه فيما بعد ويسلمه في الموعد، وهذا منهي عنه شرعا لما صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: (لا تبع ما ليس عندك).
وكذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه (أن النبي ﷺ نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم)[1].
خامسا – ليست العقود الآجلة في السوق المالية (البورصة) من قبيل بيع السلم الجائز في الشريعة الإسلامية، وذلك للفرق بينهما من وجهين:
أ – في السوق المالية (البورصة) لا يدفع الثمن في العقود الآجلة في مجلس العقد، وإنما يؤجل دفع الثمن إلى موعد التصفية، بينما أن الثمن في بيع السلم يجب أن يدفع في مجلس العقد.
ب – في السوق المالية (البورصة) تباع السلعة المتعاقد عليها وهي في ذمة البائع الأول، وقبل أن يحوزها المشتري الأول، عدة بيوعات، وليس الغرض من ذلك إلا قبض أو دفع فروق الأسعار بين البائعين والمشترين غير الفعليين، مخاطرة منهم على الكسب والربح، كالمقامرة سواء بسواء، بينما لا يجوز بيع المبيع في عقد السلم قبل قبضه.
والخلاصة: أن عقود البورصة منها ما يحل ومنها ما يحرم، فلا حرج على المسلم في أن تكون أسهم شركته في البورصة وإنما الحرج يكمن فيما تدار به سياسات وما يرسم لها من خطط تسويقية، كما يكون على المتعاملين فيها بيعا أو شراء إن هم اختاروا العقود الفاسدة التي حرمها الله ورسوله.
[1]- المسند (5/ 191)، أبو داود 3493