معلوم أن وظيفة البنوك التجارية الأساسية هي إقراض النقود ، و في سبيل هذا فإن البنوك تعمل على استخراج النقود من أيدي الناس وضمها الى خزائنها لتزيد بذلك قدرتها على الإقراض.
و البنوك مافتئت من وقت لآخر تبث بين الناس وسائل تحقق لها الغاية ، فمن فتح اعتماد إلى إصدار ضمان و نحو ذلك .
و لقد ابتكرت البنوك حديثًا وسائل استحوذت من خلالها على السيولة ففرضت بذلك وصاية على الناس استولت بحكمها على نقودهم و اكتفى أصحاب النقود و ملاكها بقطعة من البلاستيك تسمى بطاقة؛ يقدمها حاملها إلى المتجر و الفندق و نحوه ليسجل عليها التاجر فاتورة يقتطع مبلغها من نقود حاملها التي حازها البنك ، واستحوذ عليها بهذه الوسيلة و صارت النقود تتدفق في خزائن البنوك دون منازعة مما زاد قدرتها على الإقراض بالربا ووسع نطاق عملها في الائتمان و تلك غاية البنك التي ابتكر لها هذه الوسيلة.
وهذه الوسيلة _ أعني بطاقة الائتمان- قد مرت بأطوار فأول ما ظهرت اشترط لها وجود رصيد للعميل يغطي مصروفاته التي تتم بواسطتها ، وهي بهذا ليست بطاقة ائتمان بالمعنى الحقيقي ، وإنما هي بطاقة دفع ووفاء و من ثم تطور بها الأمر إلى أن تصدر بدون هذا الشرط إذ أصبحت تمنح أجلاً للعميل يمكنه الوفاء من خلاله دون احتساب زيادة عليه و عندما يحل الأجل دون وفاء من العميل فإن مصدر البطاقة يقوم بالأداء عنه محتسبًا بالرجوع عليه بما أدى عنه وزيادة ، وهي ثمرة الائتمان وغايته فكانت بطاقة الائتمان بالمعنى الحقيقي للائتمان .
و لقد اتسع انتشارها في البلاد عامة وبلاد المسلمين خاصةً مما يجعلنا بحاجة لأن نسهب في بيانها و التعرف على أحكامها .
تعريف بطاقة الائتمان :
عرفها مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة لعام1412ه بأنها( مستند يعطيه مصدره لشخص طبيعي أو اعتباري بناءً على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع، و الخدمات ممن يعتمد المستند دون دفع ثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع ؛و من أنواع هذا المستند ما يمكن من سحب نقود من المصرف ).
أقسام بطاقة الائتمان:
1 – أقسامها باعتبار القرض : فباعتبار القرض المتاح من حلالها تنقسم إلى:
– أ- بطاقة وفاء : و هذه لاتتضمن في جوهرها ائتمانا من البنك للعميل بل الأصل فيها أن يقوم العميل بالوفاء فور إرسال الكشف إليه أو يخصم من حسابه لدى البنك . فإن البنك إذا وفى من خلاله بدلاً من عميله فإنه يكون قد أقرضه في الحال التي ليس لعميله رصيد لديه ، و بهذا تتضمن البطاقة ائتمانا “إقراضاً” لكنه غير مقصود من الطرفين ، يدل على ذلك أن البنك لم يحتسب عليه فوائد .و هذا القسم ليس هو السائد اليوم بل ربما كان طورًا من أطوار البطاقة التي مرت بها في مراحل تدرجها .
– فالبنوك الإسلامية تشترط في بطاقاتها وجود رصيد للعميل يغطي مصروفاته من خلالها .
– ب- بطاقة الائتمان : و تزيد عن سابقتها في حق العميل ( حاملها ) في ائتمان “قرض” متفق عليه بين العميل والبنك ، و عليه فهي بخلاف سابقتها فلا يلزم فيها العميل بالوفاء خلال الأجل المتاح للوفاء بل له أن يتأخر عن ذلك ليقوم البنك بالوفاء عنه ، وبذلك يكون قد قدم له ائتمانًا “قرضًا ” و هذه غاية هذا القسم من البطاقات و معظمها من هذا القبيل .
الفوائد التي تعود على البنوك من بطاقة الإئتمان:
– فوائدها للبنوك كثيرة منها :
1- توظيف المصرف أمواله.
2- ضمان جزء كبير من الأفراد المستفيدين من البطاقة عملاء دائمين للمصرف يشجعون على التعامل معه و الاستفادة من خدماته.
3- اضطرار المتعاملين بالبطاقة من حامليها ،و من التجار قابليها لفتح حساب لدى المصرف الذي يصدر البطاقة لتسهل أعمالهم و من ثم يكون طريقًا للاستفادة من خدمات المصرف.
4- أنها أداة من أدوات الدعاية للمصرف.
5- عائدها كبير بالقياس إلى أعبائها ، و تتكون من فوائد ورسوم و عمولة على النحو التالي :
أ- فائدة بنسبة 2% تؤخذ من العميل “حامل البطاقة ” على ما جاوز الأجل المتاح دون وفاء و هذه الفائدة تختلف باختلاف البنوك.
ب- عمولة من 2%ـ 5% من قيمة المبيعات أو أجر الخدمات التي تمت بواسطة البطاقة و هذه العمولة تؤخذ من المحلات التجارية أو جهة الخدمات الأخرى .
ج- رسوم الإصدار ، التجديد ، وهذه تؤخذ من العميل حامل البطاقة و تختلف من بنك لأخر و من وقت لآخر و من بطاقة لآخرى.
الغرض من بطافة الائتمان:
إن الغرض من بطافة الائتمان هو دعم رسالة البنوك الأساسية التي هي الائتمان ، و لذا سميت بطاقة الائتمان ، و لئن كانت القروض في السابق لا تكون غالبًا إلا في أمر كبير كالزواج أو السكن أو العلاج فإنه من خلال بطاقة الائتمان أمكن التوسع في الائتمان لتشمل كل صغير و كبير إذ ببطاقة الائتمان هذه أمكن التسوق من السوق و البقال والتعامل مع بعض الفنادق و المقاهي و نحو ذلك ، و بهذا احتل الائتمان مساحة لم تكن له من قبل و وسيلته في ذلك الزحف بطاقة الائتمان ، ويشهد لذلك أن بطاقة الوفاء ما تلبث أن تتحول مع الزمن إلى بطاقة ائتمان بعد السبر غور السوق و تقييم الوعي المصرفي لدى حامليها و مدى أهليتها بالوفاء و الالتزام.
التكييف الفقهي:
إن عقد بطاقة الائتمان بأقسامه و أنواعه و إجراءاته و أهدافه عقد جديد على الفقه الإسلامي و لا يندرج في صورته الكلية تحت عقد واحد من عقود المعاملات الشرعية المعروفة في المدونات الفقهية حيث تتعدد الأطراف و تتنوع العلاقات و الالتزامات و تتباين الأقسام و الأنواع .
و من الصعب تكييفه في صورته الكلية بعقد واحد : حوالة ،جعالة ، كفالة ، وكالة أو ضمان أو عقدين معًا : كوكالة و كفالة ، أو وكالة وجعالة ،الى آخر ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي السابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة في الدورة السابعة العدد السابع لعام 1402ه/ 1992م .
مقاصد الإقراض في الشريعة الإسلامية :ـ
حثت الشريعة الإسلامية ذوي اليسار على تخصيص جزء من أموالهم لدفعه إلى المعوزين و المحتاجين من أفراد المجتمع لفك ضائقتهم ، فالمقصد الشرعي من عقد الإقراض في الشريعة الإسلامية هو الإرفاق و قد نص الفقهاء على ذلك في عبارات موجزة بقولهم ( الإقراض عقد إرفاق و قربة) فمن ثم جاءت الأحكام و التشريعات متحرية هذه المعاني و المقاصد لتحمي جانب الضعيف و تمنع استغلال حاجته من قبل الأغنياء و الموسورين .
كما تعمل في نفس الوقت على المحافظة على أموال هؤلاء من الضياع فخولت أصحابها أن يشترطوا من الشروط ما يضمن حفظ أموالهم كاشتراط الرهن و كفيل و إقرار لدى الحاكم و إشهاد على ذلك لأن صون القرض غرض شرعي مقصود و هي توثيقات لا منافع زائدة للمقرض.
و لذا جاءت الأحكام الشرعية منسجمة مع هذه المقاصد الشرعية و أصبحت من الناحية الحكمية تعتمد في صحتها على مدى قربها أوبعدها عنها و لذا قال الفقهاء رحمهم الله : إن عقد الإقراض يكون مندوبًا إليه في حالة لا تصل إلى الاضطرار ؛وواجبًا في حالة الاضطرار و وقت المجاعة و نحوه و لا ينفقه المضطر في معصية ؛وحرامًا إذا علم أن المقترض سينفقه في حرام أو معصية؛و مكروهًا إذا علم أن المقترض سينفقه في أشياء مكروهة ؛ومباحًا إذا دفع إلى غني بسؤال من الدافع مع عدم احتياج الغني إليه .
و يتضح من العرض السابق لمقاصد الشريعة الإسلامية من مشروعية عقد القرض وأن الشريعة لا تسمح باستخدام هذا العقد أداة استثمار ، و تنمية للأموال استغلالاً للضعفاء ، على عكس الأمر بالنسبة للقوانين الوضعية و الاقتصادية ، فإنها تعتبر عقد الإقراض في صورته التقليدية و الحديثة أداة استثمار ناجحة تدر على من لديهم الأموال أرباحًا طائلة استغلالاً لحاجات المحتاجين أبناء المجتمع على كافة المستويات.
المآخذ على بطاقة الإئتمان:
– و ختاما يمكن أن نلخص المآخذ البارزة على بطاقة الائتمان بما يلي:
1- الربا : و هو واضح من خلال ما تتيح لحاملها من أجلٍ تؤدي عنه خلاله ثم ترجع عليه فيما بعد محتسبة بذلك ما أدت عنه و زيادة ، لقاء الأجل .
2- المساعدة على تدفق السيولة في المصارف ، مما يزيد قدرتها على الائتمان و إقراض النقود الذي هو صميم عمل البنوك و هو الربا.
3- إغراء الناس بالتبذير و إغراقهم بالربا.
4- فرض وصاية على أموال الناس من خلال إبعادها عنهم ، و من ثم لا يجدون دافعًا يدفعهم إلى تصريفه و استثماره و بهذا يتخلون عنه للبنوك لتصنع به ما تشاء و ياليتها كانت أهلا لذلك لهان الخطب لكنها باستيلائها على أموال الناس تفسد ولا تصلح ؛و تهدم و لاتبني من خلال ما تبثه في الأمة من رباً مؤذن بحرب الله و رسوله وكفى .
و بطاقة الائتمان و إن بدا ظاهرها فيه الرحمة _ لكثير من الناس _ إلا أن باطنها من قبله العذاب بالنظر إلى مقاصدها و نتائحها.