إن المسلم -بمقتضى التزامه بأحكام شريعة الإسلام- ملزم باحترام قوانين وأنظمة البلد الذي يؤذن له بالدخول فيه زائرًا أو مقيمًا، لأنه دخل البلد على هذا الشرط، فيجب أن يراعيه ولا يخل به. وقد جاء في حديث النبي -ﷺ-: “المسلمون عند شروطهم” .
والمسلم إذا قال كلمة أو وعد وعدًا أو أعطى عهدًا أو أقسم قسمًا فالواجب الذي يحتمه عليه دينه: أن يصدق في حديثه، وأن ينجز وعده، ويفي بعهده، ويبر بقسمه. حتى يكون من المؤمنين الذين وصفهم الله بقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) سورة المؤمنون، وحتى يستجيب لأمر الله تعالى في كتابه: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) سورة النحل، وقال تعالى: (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) سورة الإسراء، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) سورة التوبة.
وآيات القرآن في هذا المعنى كثيرة ووفيرة.
ما حكم من لم يحافظ على العهود والمواثيق؟
من لم يحافظ على هذه الأخلاق التي أمر بها القرآن والسنة دخل في زمرة المنافقين الذين تكذب أفعالهم أقوالهم، وينافي سلوكهم مقتضى إيمانهم، وقد قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) سورة الصف. وقال تعالى في ذم المنافقين: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) سورة البقرة.
بل استحق وعيد الله تعالى ولعنته وغضبه، فقد قال سبحانه: (ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) سورة آل عمران. وقال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة آل عمران.
وكان من المنافقين الذين قال فيهم رسول الإسلام: “آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان ” وقال: “أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه واحدة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا ائتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر” .
ولا يتصور مسلم ملتزم بدينه -ولو كان فردًا عاديًا- أن يقطع على نفسه عهدًا أو ميثاقًا، ثم ينكث العهد وينقض الميثاق، ويدخل في زمرة من ذمهم القرآن الكريم أشد الذم وأبلغه في مثل قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) سورة الرعد: 25.
فما بالكم إذا كان هذا المسلم قائدًا يُشار إليه بالبنان، وأسوة يتعلم الناس منه فضائل الإسلام وأخلاق الإيمان.
حكم الوفاء بالعهود والمواثيق مع غير المسلمين؟
يستوي في هذا أن يكون التعامل مع المسلمين ومع غير المسلمين، فالأخلاق عند المسلم لا تتجزأ، ولا تتفاوت ولا تتناقض.
وتحدثنا كتب السنة والسيرة أن حذيفة بن اليمان وأباه لمّا خرجا ليشهدا معركة بدر مع رسول الله -ﷺ-، فأخذهما مشركو قريش، ثم أطلقوا سراحهما بعد أن أخذوا منهما عهدًا ألا يقاتلا مع الرسول ضدّهم. فأتيا النبي الكريم فأخبراه بالقصة، يريدان أن يشتركا في القتال، فأبى الرسول عليهما، وقال: “انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم” رواه أحمد ومسلم وغيرهما .
وفي صلح الحديبية وأثناء كتابة عقد الصلح بين رسول الله وسهيل بن عمرو، وضمن بنوده: أن من جاء من المشركين إلى رسول الله يردّه إلى قريش. في هذه اللحظة وصل أبو جندل بن سهيل بن عمرو نفسه يرسف في قيوده ويشكو من تعذيب قريش له، ويسأل الرسول أن ينقذه مما هو فيه، ولكن سهيلاً قال: إن العقد قد تم بيني وبينك يا محمد قبل أن يأتيك هذا!.
وجعل سهيل يأخذ ابنه بتلابيبه، ويجره ليردّه إلى قريش، وأبو جندل يصرح بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أأردّ إلى المشركين، يفتنوني في ديني؟.
وهنا قال له رسول الله –ﷺ-: “يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا، وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم “.
هذا هو الإسلام، وهذا هو موقف المسلم.