ظاهرة الهروب بأموال البنوك وما يترتب عليها من آثار سيئة أهمها ضرب الاقتصاد الوطني هو نتيجة حتمية للإصرار على التعامل بالربا ومحاربة الله تعالى ورسوله.. ومن ثم فلن ينتعش اقتصاد البلاد إلا إذا أبرمنا عقد صلح مع الله تعالى وطبقنا المنهج الإسلامي في معاملاتنا، فالمقرِض لا يطالب إلا برأس ماله، والمقترض مطالب أن يكون حسن الأداء فمطل الغني ظلم كما أخبر المعصوم (ﷺ).
يقول فضيلة الدكتور حسين شحاتة -أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر-:
لقد اعتاد الناس بصفة عامة الاقتراض من البنوك بفائدة ، وتيسر لهم البنوك ذلك لأنها تاجرة ديون ولا تريد أن يكون المال عاطلاً لديها وطالما يقوم المقترض بسداد القسط والفائدة فلا توجد مشاكل ، ولكن عندما يعجز المقترض لسبب من الأسباب وما أكثرها عن السداد تبدأ الخطورة: فيقول البنك للمقترض أتقضى أو تربى .. ويقول المقترض للبنك أَرْبى أطلب جدولة القرض وفائدته … وجدولة بعد جدولة .. وجدولة بعد جدولة … حتى تظهر بوادر الإعسار والتعثر وتنتهي القضية إلى أحد الحالات الآتية :
*حالة التوقف عن الأعمال وصعوبة سداد الفوائد والأقساط ويزداد الدين وتُضاعف الفوائد وتبدأ المفاوضات في إجراءات التسويات .
*حالة التصفية وتعيين مصفي وقسمة أموال المقترض إن وجدت قسمة غرماء ويضيع على البنوك معظم الأموال والفوائد ، وتكون النهاية خسارة المقترض وخسارة البنك وهذا هو الواقع .
*حالة سجن المقترض ويترتب على ذلك ضياع الأموال وفوائدها على البنوك ولا يحقق البنك المقرض أي منفعة مادية من سجن المقترض والسجون مليئة بمثل هؤلاء .
*حالة الهروب بالأموال أو بدونها إلى الخارج وهذا هو الواقع الآن ، وهذا هو بيت القصيد ، وهذه هي الظاهرة المنتشرة الآن وينجم عنها أضراراً شتى: للعمال، وللدائنين، والموردين، وكذلك للعملاء والبنوك وللاقتصاد القومي .. وصدق الله عز وجل القائل : ” يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ” ، وقوله سبحانه وتعالى : ” وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُضْعِفُونَ ” ، وصدق رسول الله ﷺ الذي قال: “إن الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل” وقوله ﷺ : ” ما ظهر الزنا والربا في قوم إلاّ أهلوا بأنفسهم عذاب الله ” .
محاور مشكلة عجز سداد قروض البنوك وفوائدها وهروب المدينين:
1- محور القيم الإيمانية الأخلاقية ويسمى في لغة الأعمال Business Ethics ، فعندما تضعف هذه القيم لدى المقرض والمقترض يكون المجال متاحاً للاعتداء على أموال الغير ، فمن لا يخشى الله لا يخشى الناس .
2- محور الاعتماد على صيغ التمويل الإسلامي ومنها المضاربة والمشاركة والإجارة والاستصناع والسلم والبيع الآجل حيث أكد علماء الاقتصاد الوضعي والإسلامي فشل النظام القائم على الفائدة في تمويل التنمية والنمو .
3- محور الكفالات، والضمانات السليمة الفعالة القوية ، وهذه مطلوبة أيضاً في حالة التمويل الإسلامي .
4- منهج المتابعة الفعالة للمشروعات الممولة بالصيغ الإسلامية حتى يطمئن صاحب المال إلى سلامة الأعمال الممولة بماله .
5- محور العقاب الشديد لمن يعتدي على الأموال لأن ذلك يعتبر من الكبائر المنهي عنها شرعاً .
ويلاحظ أن البنوك تعالج مشكلة الهروب بأموالها إلى الخارج عن طريق الشئون القانونية والتهرب من المسئولية ولاسيما الضمانات الوهمية والصورية والمجاملات الشخصية من بعض الوجهاء … ويكون الفداء هو الاقتصاد الوطني .
المنهج الإسلامى لمعالجة قضية المماطلة في سداد الديون والهروب بأموال البنوك :
1- الحث على القرض الحسن من باب التعاون على البر والتقوى ، ولا يكون الاقتراض إلاّ لضرورة معتبرة شرعاً .
2- وجوب كتابة الديون، والإشهاد عليها، وتوثيقها بأي أسلوب من أساليب التوثيق للمحافظة على أموال الناس .
3- لا يوجد حرج شرعي من الحصول على الرهونات والضمانات للوفاء بالديون والعقود والعهود ، ولا يجوز أن تتدخل المجاملات والعواطف والضغوط الخارجة للمساس بالحصول على الضمان الكافي .
4- وجوب الوفاء بالدين عند حلول أجله ، وهذا من أخلاقيات رجل الأعمال في الإسلام.
5- وجوب إعطاء المدين المعسر ميسرة للسداد إذا تبين ذلك صدقاً ويقيناً ، وأساس ذلك قول الله عز وجل : ” وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ” .
6- وجوب معاقبة المدين الموسر المماطل بأي نوع من أنواع التعزيرات ، حسب ما يراه القاضي أو أهل الحل والعقد والمشورة والأموال العامة ولا يجوز التيسير عليهم لأنهم في نظر الإسلام من المفسدين في الأرض الظالمين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل .
7- لا يجوز التعامل بالنظام الربوي القائم على الفائدة كما لا يجوز تباع نظام جدولة الديون وما في حكم ذلك ، وإعادة النظر في هذا النظام الفاسد وتطبيق الصيغ الإسلامية .
8- تطبيق نظم التمويل الإسلامي مثل المشاركة والمضاربة والإجارة والاستصناع والسلم والبيوع الآجلة فهي أفضل من نظام الفائدة الربوية ولاسيما في المحافظة على المال وعوائده .
ويتمثل الجانب التطبيقي التنفيذي للمنهج الإسلامي لعلاج هذه المشكلة في الوصايا العشر الآتية:
*إيقاف التمويل عن طريق الاقتراض والائتمان بفائدة ، وتحويل القروض إلى مشاركات أو مساهمات أو جدولة بدون زيادة .
* تطبيق صيغ التمويل والاستثمار الإسلامية ومنها : المضاربة والمشاركة والمرابحة والإجارة والسلم والاستصناع .
*يقوم المدين بتسييل الأصول الثابتة غير المستعملة واستخدام الحصيلة في سداد الالتزامات العاجلة .
*يقوم المدين بتصريف البضاعة الراكدة بطيئة الحركة من خلال تخفيض الأسعار وإعطاء تسهيلات في السداد .
*جدية البنوك في تحصيل الأموال لدى الغير من خلال البواعث والدوافع والحوافز المختلفة الجائزة شرعاً .
*تطبيق نظام الشراء بالأجل أو بنظام الأمانات والتضحية بفرق السعر ، وهذا أجدى من الائتمان الربوي القائم على الفائدة .
*الجدية في دراسات الجدوى المقدمة من العملاء ، وتجنب الأهواء الشخصية .
*إنشاء صندوق تأمين مخاطر السيولة ، يقوم على أساس التعاون على البر والتقوى .
ونختم بقول الله عز وجل : “يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كُفَّارٍ أَثِيمٍ” [البقرة : 276] ، ويقول الرسول ﷺ : ” ما من مسلم يدان ديناً يعلم الله أنه يريد أداءه ، إلاّ أداه الله عنه في الدنيا والآخرة ” (رواه ابن ماجه) .