روى مسلم عن عمار بن ياسر ـ رضي الله عنهما ـ قال : سمعت رسول الله ـ ﷺ ـ يقول: “إنَّ طول صلاة الرجل وقِصَرَ خُطبته مَئِنَّة من فقهه، فأطيلوا الصلاة واقْصُرُوا الخطبة”، ومعنى “مَئِنَّة” علامة دالة.
والمقصود من إطالة الصلاة بالنسبة إلى هذا الحديث الإطالة بالنسبة إلى الخطبة، وليس التطويل الذي يَشق على المؤمنين، حتى يتفق مع الحديث: كانت خطبته قصدًا وصلاته قصدًا فيُستحب لمَن وَعَظ جماعة أو ألْقى عليهم علمًا أن يَقتصد في ذلك ولا يُطيل تطويلًا يَمَلُّهم حتى لا يَضجروا وتذهب حلاوةُ العلم، ويكرهوا سماع الخير فيقَعوا في المَحْظور، وكان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ مُلتزمين بهذا الهدى، فقد روى البخاري ومسلم عن شقيق بن سلمة قال: كان ابن مسعود يذكِّرنا في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لَوَدِدْتُ أنك ذكَّرتنا كلَّ يوم فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أمَلَّكم، وإني أتخوَّلُكم بالموعظة كما كان رسول الله ـ ﷺ ـ يتخوَّلنا بها مخافة السآمة علينا.
ومما يتصل بهذا من أدب الدعوة والإمامة ألا يُطيل الإمام في الصلاة مراعاة لظروف المأمومين، فإن فيهم السقيم والضعيف وذا الحاجة وقد صح في البخاري ومسلم أن الرسول ـ ﷺ ـ قال لمعاذ حين اشتكى البعض طول صلاته: “أفتَّان أنت يا معاذ” ثلاث مرات، والمعنى أن التطويل سبب لخروجهم من الصلاة، وسبب لكراهة صلاة الجماعة، وأنه عذاب لهم، والإسلام لا يحب ذلك.
ومن الأدب أن تكون الموعظة مفهومة بأسلوب مناسب، وليس فيها غرائب تَحَار في فهمها العقول، روى البخاري عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتُحبون أن يُكَذَّبَ اللهُ ورسولُه ﷺ.