يقول الله تعالى( إِنَّ الِذينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرَا ) ( سورة النساء : 10 ) .
هذه الآية تنهى عن أكل مال اليتيم ظلمًا أي بغير حق، فإن كان بحق فلا مانع منه، ويوضح هذا قوله تعالى في آية سابقة في السورة نفسها:( وَابتَلُوا اليَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فِإِن آنَسْتُمْ مِنهُم رُشْدًا فَادفَعُوا إِلَيهِم أَموَالَهُم وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالمَعْرُوف ) ( الآية رقم 6 ) فهي تعالج خطأ وقع فيه الناس وهو الطمع في مال اليتيم، حيث كان الوصي يتصرف فيه لمصلحة نفسه لا لمصلحة اليتيم، حتى إذا كَبِرَ لم يجد له مالاً، أو يجد ماله قد قَلَّ؛ لأن الوصي لم يتصرف فيه لصالحه، وقد أباح الله للوصي أن يأخذ من مال اليتيم ما يوازي إشرافه عليه، على أن يكون ذلك في الحد المعقول، وذلك إذا كان محتاجًا، أما إذا كان مستغنيًا فالأولى أن يستعفف ولا يأخذ شيئًا في مقابل الإشراف عليه.
ولما كانت النصوص في القرآن والسنة تحذر من أكل مال اليتيم بدون وجه حق تحرَّج الناس عن كفالته خشية الوقوع في المحظور، وذلك أمر يترتب عليه إهمال اليتيم وضياعه، فأذن الله للناس أن يشرفوا على أموال اليتامى على أن يراقبوا الله، فلا يتصرفوا في غير مصلحتهم. قال تعالى ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُم خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُم فَإِخْوَانُكُم وَاللهُ يَعْلَمُ المُفسِدَ مِنَ المُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لأَعْنَتَكُم ) ( سورة البقرة : 220 ) .
وإذا كان هذا في حق الأوصياء فهو أيضًا في حق كل إنسان يطمع في مال اليتيم، وقد يحدث أن الذين يتركهم الميت من الأولاد يكون فيهم كبار، فلا ينطبق عليه أحكام اليتامى؛ لأنه لا يُتْمَ بعد الحُلُم، أي البلوغ، ومع الكبار يوجد صغار، وأموالهم مختلطة بعضها ببعض، وهنا نقطتان:
النقطة الأولى خاصّة بمخالطة الأولاد الكبار لإخوتهم الصغار، فيجب التحرُّز من الطمع في أموالهم، أو التصرف فيها على وجه ليس فيه مصلحتهم، وحيث إن الأموال مختلطة فيصعب ذلك، ولهذا ترك الله الأمر لضمير الكبار ورقابتهم لله:( واللهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ).
والنقطة الثانية خاصّة بعَلاقة الأجانب بهؤلاء الأولاد، في مثل زيارتهم وتناول ما يقدم تحية للزائر، وحيث إن أموال الكبار مختلطة بأموال الصغار، فلا تمييز فيما يقدم للضيف، هل هو من نصيب الكبار فيجوز تناوله، أو من نصيب الصغار فلا يجوز؟
لا يمكن الحكم بحرمة تناول التحية؛ لأن مناط التحريم هو التيقُّن، ولا يوجد، وإذا لم يمكن الحكم بالحُرمة فأقل ما يحكم به هو الكراهة التنزيهيّة، وذلك للشبهة، ومن اتّقى الشُّبُهات كان لدينه أورع، وقد يكون من المستحسن أن يتناول الضيف من التحية أقل شيء حتى لا يكون في الامتناع الكلي بعض آلام نفسية لليتامى، وليكن أمامنا قول الله سبحانه:( وإِنْ تُخالِطُوهم فَإخْوانُكُمْ واللهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ ولَوْ شَاءَ اللهُ لأَعْنَتَكُمْ) فلتكن هناك زيارة خالصة لله، تخفيفا على اليتامَى، وليكن معها هدية لهم إن أمكن، حتى لا يرزأهم في شيء لو تناول التحية، فالمندوب أن نعطيَ لهم ولا نأخذ منهم.