هذه مسألة لم يرد فيها نص، لعدم وصول الإسلام إليها وقت نزول الوحي في العصر النبوي، ولذلك اجتهد فيها الفقهاء، وتعددت وجهات نظرهم، وأقرب ما يقال في مثل هذه الحالة: أن يصوم أهل هذه البلد تبعا لتوقيت مكة أم القرى التي نزل فيها القرآن أو المدينة التي تنزل فيها التشريع، وما حولهما، أو أن يصوموا بتوقيت أقرب بلد معتدل من البلاد الإسلامية .
وقيل يصومون نهارهم وإن طال ، فمن عجز أفطر وعليه الفدية.
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:
اختلف الفقهاء في الصيام في بلد يطول نهاره ويقصر ليله، أو يطول ليله ويقصر نهاره.
فقال بعضهم: يكون التقدير على أقرب البلاد المعتدلة إليهم.
ويقول الآخرون: يكون التقدير بحسب البلاد المعتدلة التي وقع فيها التشريع: كمكة والمدينة.
ومهما يكن من شيء فإن كان الصوم في النهار الطويل يشق؛ يجوز الإفطار ويجب القضاء في بلد معتدل إن كان ذلك ممكنا، وإلا كانت الفدية كما قال تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة 184. على معنى: يطوقونه أي: يتكلفونه بشدة، كما قال بعض المفسرين. والله أعلم . ( انتهى )
هذا ، ويرى أ. د مصطفى الزرقاـ رحمه الله ـ أن تُتَّخذَ إحدى قاعدتين لهذه البلاد النائية شمالاً وجنوبًا:
إما أن يعتمدَ لها جميعًا (سواء أكانت مما يتميَّز فيها ليل ونهار أو لا) أوقات مَهْدِ الإسلام الذي جاء فيه، ووردت على أساسه الأحاديث النبوية، وهو الحِجاز، فيؤخَذ أطول ما يصل إليه ليل الحِجاز ونهاره شتاءً، أو صيفًا فيطبَّق على أهل تلك البلاد النائية في الصوم والإفطار وتوزيع الصلوات.
وإماأن نأخذ أقْصى ما وصل وامتدّ إليه سلطان الإسلام في العصور اللاحقة شمالاً وجنوبًا، وطبَّقَه العلماء فيها على ليلهم ونهارهم في فصول السنة، فنعتبره حدًّا أعلى لليل والنهار للبلاد النائية التي يتجاوز فيها الليل والنهار ذلك الحدَّ الأعلى، ففي تجاوز النّهار يُفطرون بعد ذلك، وتوزَّع الصلوات بفواصِلَ تتناسب مع فواصِلِ ذلك الحَدِّ الأعلى.
وخلاف ذلك فيه مُنتهَى الحرج الذي صرح القرآن برفعه، كما هو واضح.
فإن قيل: كيف نسمح لأناس في رمضان أن يُفطروا والشمسُ طالِعة وإن كانت لن تَغيبَ إلا نصف ساعة أو ساعة؟
قلنا : هذا سيلزمكم في البلاد التي ليلُها ستةُ أشهر ونهارها ستةُ أشهر، فإنَّكم وافقتم على أنهم يفطرون في نهارهم الممتدِّ في الوقت الذي حددتموه لهم، على الرغم من أن الشمس طالعة.
فهذا لا يضُرُّ، بسبب الضرورة، والمهم في الموضوع: رعاية مقاصِد الشّريعة في توزيع الصلوات، وفي مدة الصّوم بصورة لا يكون فيها تكليف ما لا يُطاق، ويتحقّق فيها المقصود الشرعي دون انتقاص.(انتهى)