تحديد عام الإسراء أو شهره أو ليلته ليس فيه كبير فائدة في حياتِنا الدينية، فالإسراء قد حدث قطعًا والصلوات الخمس قد فُرضت قطعًا، والخلاف فيما وراء ذلك لا طائل تحته، وقد قيل : إن الصلاة التي كانت قبل الإسراء والمعراج مقصود بها الدعاء ،وقيل :مقصود بها قراءة القرآن ،وقيل :كانت صلاة ركعتين في أول النهار ،وركعتين في آخره. 

والصّلوات الخَمس المعروفة فُرِضت ليلة الإسراء وهذا باتّفاق، لكن متى كان الإسراء، وهل كانت هناك صلاة قبل الإسراء؟

متى وقعت حادثة الإسراء:

أمّا الإسْراء فقد اختلف في وقته اختلافًا كبيرًا، فقيل إنه كان قبل البعثة، كما فُهم من رواية شُريك عن أنس. ولم يرتضِ هذا القول الأكثرون، وحملوه على أنه كان إسراء بالرُّوح فقط، كما كانت الرؤيا الصالحة سابقة للوحي في أول عهد النبوة. 

وصحّت أحاديث برؤى مناميّة فيها مشاهِد كالتي تُروى في قصة الإسراء، وقيل كان بعد البعثة ولكن في أي عام؟

الأقوال كثيرة. والذي عليه الجمهور أنه كان قُبيل الهجرة بعام أو نحوه ولم يكن في مبدأ البعثة، وفي هذا الإسراء وحدَه فُرِضَت الصلوات المعروفة. 

هل كان المسلمون يصلون قبل الإسراء والمعراج:

أما أن هناك صلاة كانت قبل المفروضة ليلة الإسراء فنعم، ولكن يجب أن يعلم أن الصّلاة في القرآن قد تطلَق على معناها اللغوي وهو الدُّعاء، ومنه قوله تعالى: (وصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (سورة التوبة 103) وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أيُّها الذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (سورة الأحزاب : 56). فالصّلاة في هذه الآية لا يمكن أن تكون هي الصّلاة المعروفة ذات الركوع والسجود، وإنّما هي دعاء أو استغفار أو رَحمة.

والعرب في الجاهلية كانت لهم صلاة وهي دعاء يدعون به عند التلبية والحجّ. كما كانت لهم صلاة من نوع آخر يدلّ عليه قوله تعالى: (ومَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ البَيْتِ إِلاّ مُكَاءً وتَصْدِيةً) (سورة الأنفال : 35) والمُكاءُ هو الصّفِير، والتّصْدِية هي التّصفيق. فقيل: إن ذلك كان عبادة يتقرّبون بها، وقيل: إنه ضَرْبٌ من التشويش على النبيّ ـ  ـ وهو يصلِّي.

ويُحتمل أن يكون الدعاء هو المراد من الصلاة في قوله تعالى: (ولا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولاَ تُخَافِتْ بِهَا) (سورة الإسراء : 110). كما يحتمل أن يُراد بها القراءة، وقد جاء هذا التفسير في روايات صحيحة، ومن إطلاق الصلاة على القراءة الحديث القدسي الصحيح “قسمتُ الصّلاة بيني وبين عَبدي نِصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله ربِّ العالَمين…” فأطلقَ الصلاة على قراءة الفاتحة. 

وكان قيام الليل في أول مشروعيّته بالقراءة، كما في صدر سورة المزمل. وحملوا الصلاة على الدعاء أو القراءة أيضا ما جاء في حديث أحمد بسند صحيح أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ صلّى بمنًى حين مالت الشمس وصلَّت خلفه خَديجة وعلي، ذلك أن الثابت من حديث عائشة أن خَديجة توفيت قبل أن تُفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء، وكانت وفاتها على الصحيح في السنة العاشرة من النبوة. 

ورأى جماعة أنه كانت هناك صلاة قبل الخمس التي فرضت ليلة الإسراء، وهي ركعتان بالعشي وركعتان بالإبكار، على ما يدل عليه قوله سبحانه: (وسَبِّحْ بحَمْدِ ربك بالعَشِيِّ والإبْكار) (سورة غافر: 55 لكن ليس هناك دليل قوي على أن هذا التّسبيح يُراد به الصلاة ذات الركوع والسجود فلم لا يكون تَسبيحًا باللسان فقط ويدخل ضِمن الدعاء الذي يُطلق عليه اسم الصّلاة. 

وورد أن النبي ـ  ـ عقِب عودتِه من الطائف بموضِع يقال له “نخلة” صلّى الفجر مع بعض أصحابه، وذلك كان قبل ليلة الإسراء فما هذه الصلاة؟ قيل: إنّها من المفروضة أول النّهار وآخره، وتسميّتها بالفجر لوقوعها في حينه أو قريبًا منه، أو كانت صلاة ليل وقعت حول هذا الوقت، وقد يُراد بها الدعاء، فليس ذلك دليلاً على أن الصلوات الخمس فرضت قبل ليلة الإسراء.

يقول بعض الكاتبين: إن ابن مسعود حفظ سورة الإسراء التي فيها (ولا تَجْهَرْ بِصَلاتِك ولاَ تُخَافِتْ بِهَا) وكان قد هاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى سنة خمس من النبوة. وعليه يكون الإسراء قد حصل قبل هذا التاريخ. وبنَوا هذا على أن ابن مسعود لم يتصل بالنبيِّ ـ صلّى الله عليه وسلم ـ بعد هِجرته إلى الحبشة إلا بعد الهجرة إلى المدينة حَيث شهد غزوة بدر معه. لكن ما الذي يقطع بعدم اتصالِه بعد هجرته إلى الحبشة؟ لقد جاء في سيرة ابن هشام أن المهاجِرين الأوّلين إلى الحبشة عادوا لما جاءتهم أخبار بهدوء الحالة في مكّة، ولكن لمّا عرَفوا أن الخبر غير صحيح رجَعوا إلى الحبشة مرة ثانية، ومكَث بعضهم في مكة ولم يعد واستمر مع النبي حتى هاجر معه إلى المدينة. وابن مسعود كان ممّن بَقِيَ بمكّة فلعلّه حفظ سورة الإسراء بعد عودته من الحبشة. وابن هشام قال إنه بَقي ولم يعدْ إلى الحبشة، وإن كانت بعض كتب السيرة والرّجال تقول: إن هناك قولاً بِأنّه هاجَر هجرتين إلى الحبشة. والاحتجاج بحفظ ابن مسعود لسورة الإسراء وفيها الآية المذكورة قد يُفيد إذا تعيّن أن الصلاة هي الصلاة المعروفة، ولكن تقدّم أنه أُريد بها الدعاء أو القراءة.

في أي سنة كان الإسراء والمعراج:

قيل إن الزهري قال: إن الإسراء وقع بعد البعثة بخمس سنين، فالصلاة فُرضت في هذا الوقت، لكن النَّقل عن الزهري مختلَف، ففي نسخ أخرى غير ذلك. 

وجاء في فتح الباري لابن حجر عن الزهري، أن الإسراء قبل الهجرة بخمس سنين فيكون بعد البعثة بثمان، وصحَّح بعضهم ذلك بأن السنوات الثلاث التي كانت الدعوة فيها سِرًّا لم تُحْسَب.

وعلى هذا يكون الإسراء بعد البعثة بإحدى عشرة سنة.

بعد هذا أقول: إن تحديد عام الإسراء أو شهره أو ليلته ليس فيه كبير فائدة في حياتِنا الدينية، فالإسراء قد حدث قطعًا والصلوات الخمس قد فُرضت قطعًا، والخلاف فيما وراء ذلك لا طائل تحته. واختيار المسلمين ليلة السابع والعشرين من رجب لذِكرى الإسراء لا داعيَ للعدول عنه إلى موعد آخر، فالسؤال وارد أيضا على الاختيار الجديد. 

ونحن على كل حال لم نكلَّف بمناسبة الإسراء بعبادة خاصّة، وهي ليلة كانت مَزيدًا لتشريف النبي ـ  ـ وصِدق دعوته .