وردت في السنة نصوص تتوعد المصورين، فحمل جماعة من أهل العلم هذه النصوص على ظاهرها من غير أن يخصوا منها إلا ما دعت إليه الضرورة، ثم عمد محققون من أهل العلم إلى هذه النصوص بالدراسة والتمحيص فخرجوا بالتفصيل الآتي:-
الوعيد الذي في هذه الأحاديث لا يتناول الصور المرسومة على الورق أو الحوائط أو الثياب أو غير ذلك إلا إذا كان موضوع الصورة حراما في ذاته كصور الظلمة والفساق والملاحدة.
الصور التي يعظم أصحابها لا تجوز سواء أكانت مرسومة أم مستقلة.
الصور المستقلة وهي ما تعرف بالتماثيل أو الأصنام حرام، ولا يباح منها إلا ما تدعو إليه الضرورة مثل وضعها في المتاحف للدراسة.
تزيين الحوائط باللوحات المصورة وما يشبهها ليس حراما وإن كان لا يخلو من نوع من الكراهة، شأنه في ذلك شأن كل ما لا فائدة منه معتبرة، وتتأكد الكراهة إذا كانت هذه الصور حول المصلي أو على ثيابه لأنها ربما شغلته عن الخشوع والخضوع. ولا شك أن كون الثوب الذي به تصاوير موجودا في الملابس الداخلية التي لا تظهر يخفف في الحكم.
وهذه النقول حول ثوب المصلي إذا كان فيه تصاوير:
قال ابن الهمام في فتح القديرمبينا مذهب الأحناف:-
وإذا لبس المصلي ثوبا فيه تصاوير يكره لأنه يشبه حامل الصنم, والصلاة جائزة في جميع ذلك لاستجماع شرائطها, وتعاد على وجه غير مكروه, وهذا الحكم في كل صلاة أديت مع الكراهة.
ونقل عن خزانة الفتاوى قوله:-
لو في يده تصاوير ويؤم الناس لا تكره إمامته ا هـ أي إذا كن لا يستطيع محوها.
وروى البخاري وغيره من حديث سيدنا أنس قال : كان قرام – القرام هو الثوب – لعائشة قد سترت به جانب بيتها, فقال لها النبي ﷺ: { أميطي عني قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي }.
وقال الشوكاني معلقا على هذا الحديث:-
الحديث يدل على كراهة الصلاة في الأمكنة التي فيها تصاوير, وقد تقدم كراهة زخرفة المساجد, والتصاوير نوع من ذلك.
ودل الحديث أيضا على أن الصلاة لا تفسد بذلك, لأنه ﷺ لم يقطعها ولم يعدها.
وأما عن حكم التصوير عموما فيقول الدكتور يوسف القرضاوي:-
نستطيع أن نجمل أحكام الصور والمصورين في الخلاصة التالية:
-أ- أشد أنواع الصور في الحرمة والإثم صور ما يعبد من دون الله -كالمسيح عند النصارى– فهذه تؤدي بمصورها إلى الكفر إن كان عارفا بذلك قاصدا له.
والمجسم في هذه الصور أشد إثما ونكرا. وكل من روج هذه الصور أو عظمها بوجه من الوجوه داخل في هذا الإثم بقدر مشاركته.
-ب- ويليه في الإثم من صور ما لا يعبد، ولكنه قصد مضاهاة خلق الله. أي ادعى أنه يبدع ويخلق كما يخلق الله، فهو بهذا يكفر. وهذا أمر يتعلق بنية المصور وحده.
-ج- ودون ذلك الصور المجسمة لما لا يعبد، ولكنها مما يعظم كصور الملوك والقادة والزعماء وغيرهم ممن يزعمون تخليدهم بإقامة التماثيل لهم، ونصبها في الميادين ونحوها. ويستوي في ذلك أن يكون التمثال كاملا أو نصفيا.
-د- ودونها الصور المجسمة لكل ذي روح مما لا يقدس ولا يعظم، فإنه متفق على حرمته يستثنى من ذلك ما يمتهن، كلعب الأطفال، ومثلها ما يؤكل من تماثيل الحلوى.
-هـ- وبعدها الصور غير المجسمة -اللوحات الفنية- التي يعظم أصحابها، كصور الحكام والزعماء وغيرهم، وخاصة إذا نصبت وعلقت. وتتأكد الحرمة إذا كان هؤلاء من الظلمة والفسقة والملحدين، فإن تعظيمهم هدم للإسلام.
-و- ودون ذلك أن تكون الصورة غير المجسمة لذي روح لا يعظم، ولكن تعد من مظاهر الترف والتنعم، كأن تستر بها الجدر ونحوها، فهذا من المكروهات فحسب.
-ز- أما صور غير ذي الروح من الشجر والنخيل والبحار والسفن والجبال ونحوها من المناظر الطبيعية، فلا جناح على من صورها أو اقتناها، ما لم تشغل عن طاعة أو تؤد إلى ترف فتكره.
-ح- وأما الصور الشمسية (الفوتوغرافية) فالأصل فيها الإباحة، ما لم يشتمل موضوع الصورة على محرم، كتقديس صاحبها تقديسا دينيا، أو تعظيمه تعظيما دنيويا، وخاصة إذا كان المعظم من أهل الكفر والفساق كالوثنيين والشيوعيين والفنانين المنحرفين.
-ط- وأخيرا … إن التماثيل والصور المحرمة إذا شوهت أو امتهنت، انتقلت من دائرة الحرمة إلى دائرة الحل، كصور البسط التي تدوسها الأقدام والنعال ونحوها.
ويقول الدكتور القرضاوي أيضا:-
الأرجح قصر التحريم على المجسم, وأما صور اللوحات المسطحة على الورق, أو الجدران, أو الخشب ونحوها, فأقصى ما فيها الكراهة التنزيهية, كما ذكر الإمام الخطابي, إلا ما كان فيه غلو وإسراف, كالصور التي تباع بالملايين ونحوها.
ويستثنى من المجسم المحرم: لعب الأطفال, من الدمى والعرائس والقطط والكلاب والقرود ونحوها, مما يتلهى به الأطفال, لأن مثله لا يظهر فيه قصد التعظيم, والأطفال يعبثون بها.
ودليل ذلك حديث عائشة أنها كانت تلعب بالبنات ( العرائس ) وأن صواحب لها كن يجئن إليها فيلعب معها. وكان الرسول الكريم يسر لمجيئهن إليها.
ومثل ذلك: التماثيل والعرائس التي تصنع من الحلوى وتباع في بعض المناسبات, ثم لا تلبث أن تؤكل .
كما يستثنى من الحظر: التماثيل التي تشوه بقطع رأسها, أو نحو ذلك منها, كما جاء في الحديث أن جبريل قال للرسول ﷺ: « مر برأس التمثال فليقطع حتى يصير كهيئة الشجرة ».
وأما التماثيل النصفية التي تنصب في الميادين ونحوها للملوك والزعماء, فلا يخرجها من دائرة الحظر, لأنها لا تزال تعظم.
ونهج الإسلام في تخليد العظماء والأبطال يخالف نهج الغربيين, فهو يخلدهم بالذكر الحسن, والسيرة الطيبة, يتناقلها الخلف عن السلف , ويتمثلونها, ويأتسون به, وبهذا خلد الأنبياء والصحابة والأئمة والأبطال والربانيون, فأحبتهم القلوب, ودعت لهم الألسنة, وان لم ترسم لهم صورة, ولا نصب لهم تمثال.