ملة الأنبياء واحدة ألا وهي الإسلام ، أما شرعتهم فمختلفة.
يقول تعالى مخبرا عن نبيه نوح في سورة يونس :{وأمرت أن أكون من المسلمين} وقال تعالى أيضا : { إن الدين عند الله الإسلام }.
أما الشرائع فمختلفة يقول تعالى : {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}.
والصلاة من الأشياء التي افترضها الله على الأنبياء ، ولكن قد اختص الله كل أمة بكيفية صلاة معينة .
ويوضح فضيلة الأستاذ الدكتور محمد سيد أحمد المسير ـ الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف هذا الأمر بقوله :
الصلاة فريضة مكتوبة في رسالات الله إلى البشر، دعا إليها الأنبياءُ وأوصى اللهُ بها عبادَه على مدى الأجيال:
-فسيدنا إبراهيم الخليل يجعل الغايةَ من سُكنَى إسماعيل بجوار البيت الحرام هو إقامةَ الصلاة، فقال: (ربَّنا لِيُقيموا الصلاةَ) (إبراهيم: 37) وختَم دعاءه العامَّ الشامل بالتأكيد على تلك الشعيرة فقال: (ربِّ اجعلني مُقيمَ الصلاةِ ومن ذريَّتي ربَّنا وتَقبَّلْ دعاءِ) (إبراهيم:40).
-وأوحى الله بها إلى موسى فقال: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تَبَوَّآ لقومِكما بمصرَ بيوتًا واجعَلوا بيوتَكم قبلةً وأَقِيموا الصلاةَ) (يونس: 87).
-وأخذ الله عليها الميثاق من بني إسرائيل فقال: (ولقد أخذ اللهُ ميثاقَ بني إسرائيلَ وبَعَثنَا منهم اثنَيْ عشَرَ نقيبًا وقال اللهُ إني معكم لئنْ أقمتم الصلاةَ وآتيتم الزكاةَ..) (المائدة: 12).
-وتكلم عيسى في المهد مؤكدًا تلك الفريضةَ فقال: (وجعَلَني مبارَكًا أينما كنتُ وأوصاني بالصلاةِ والزكاة) (مريم: 31).
-وقد فُرضَت الصلاة على المسلمين ليلة الإسراء والمعراج خمسًا في الفعل وخمسين في الأجر والثواب.
وكان المسلمون يصلُّون من مبدأ الدعوة الإسلامية في مكة صلاةً بالغداة وصلاةً بالعَشيّ، ويشهد لذلك قوله تعالى: (وسبِّحْ بحمدِ ربِّك بالعَشيِّ والإبكارِ) (غافر: 55).
وقد فُرضَت الصلاة على الأمة الإسلامية ليلة الإسراء والمعراج من خلال مناجاة علوية ناجَى فيها الرسول ربَّه تبارك وتعالى واشترك فيها موسى عليه السلام. وتخيَّلْ معي حديثًا مع الله، هو الصدق كله، والصفاء كله، والنور كله. وتتقاصر الكلمات عن وصف هذه المناجاة، ونكتفي بما يقرِّبها، وهو النص الصحيح كما ورد عن المعصوم ـ ﷺ ـ ففي صحيح مسلم من رواية ثابت البُنانيّ عن أنس: “ثم ذُهب بي إلى سدرة المنتهى، وإذا ورقُها كآذانِ الفِيَلة وإذا ثمرُها كالقِلال” قال: “فلما غَشِيَها من أمر الله ما غَشِيَ تَغيَّرَت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن يَنعَتها من حُسنها، فأوحَى الله إليَّ ما أوحَى، ففرَض عليَّ خمسين صلاةً في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى ـ ﷺ ـ فقال: ما فرَض ربُّك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة. قال: ارجِع إلى ربك فاسأله التخفيف؛ فإن أمتك لا يُطيقون ذلك، فإني قد بَلَوتُ بني إسرائيل وخَبَرتُهم” قال: “فرجعتُ إلى ربي فقلت: يا ربِّ خفِّف على أمتي. فحَطَّ عني خمسًا، فرجعت إلى موسى فقلت: حَطَّ عني خمسًا. قال: إن أمتك لا يُطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله فليُخفِّف” قال: “فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى ـ عليه السلام ـ حتى قال: يا محمد، إنهنَّ خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فذلك خمسون، ومن هَمَّ بحسنة فلم يَعملها كُتبَت له حسنة فإن عملها كُتبَت له عشرًا، ومن هَمَّ بسيئة فلم يَعملها لم تُكتب شيئًا فإن عملها كُتبَت سيئة واحدة. قال: فنزلتُ حتى انتهيتُ إلى موسى ـ ﷺ ـ فأخبرته فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف” فقال رسول الله ﷺ: “فقلت: قد رجعتُ إلى ربي حتى استحييتُ منه.
وننبه هنا إلى بعض ملاحظات:
1 ـ جاء في بعض الروايات أن المناجاة كانت بعد مرحلة سَمِعَ فيها صَرِيف الأقلام، وهو صوت ما تكتبه الملائكة من أَقضيَة الله تعالى ووحيه وما يَنسَخونه من اللوح المحفوظ أو ما شاء الله تعالى من ذلك أن يُكتب. وجاء في بعض الروايات أن الوصول إلى سدرة المنتهى كان بعد المناجاة. وسدرة المنتهى أو السدرة المنتهى سُمِّيَت بذلك لكونها ينتهي إليها ما يَهبط من فوقها وما يَصعد من تحتها، ولم يجاوزها أحد إلا الرسول ﷺ.
وعلى كلٍّ فالمناجاة وقعت في موقع علويٍّ روحيٍّ وَضَّاء. وليكن معلومًا أن محمدًا ـ ﷺ ـ في تلك المناجاة لم يكن أقرَبَ إلى الله مكانًا من موسى وهو في طور سيناء، وإن كان أقرَبَ إلى الله مكانةً ومنزلة ورفعة.
2 ـ جاء في بعض الروايات قال: “فراجعتُ ربي فوضع شطرها” قال: “فرجعت إلى موسى ـ عليه السلام ـ فأخبرته، قال: ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك” قال: “فراجعت ربي فقال: هي خمس وهي خمسون، لا يُبدَّل القول لديَّ”. وفي رواية: فوضع عنه عشر صلوات ثم رجع إلى موسى فاحتَبَسه فلم يَزَل يردِّدُه موسى حتى صارت إلى خمس صلوات. ولعل الرواية التى فيها الحَطُّ خمسًا هي الأصل وباقي الروايات اختَصَرَت وأوجَزَت المراجعات.
3 ـ لعل اختصاص موسى ـ عليه السلام ـ بالمراجعة في أمر الصلاة باعتباره صاحب الشريعة السابقة، فإن التوراة هي الأصل الذي توارد عليه أنبياء بني إسرائيل، حتى إن الجن أنفسهم تفطنوا لهذا المعنى وقالوا: (إنا سمعنا كتابًا أُنزِل من بعد موسى) (الأحقاف:30) ومن جهة أخرى فإن موسى هو كليم الله وصاحب المناجاة في الوادي المقدس طُوًى، فشأنُ أصحاب المقامات المتشابهة أن يَتلاقَوا.