الإسلام دين لا يعرف الطبقية ولا العنصرية لأنه يعمق في النفوس معنى الأخوة، ويغرس فيها الرحمة وهذه الرحمة تتسع لتشمل الجميع ليس الإنسان فحسب بل الحيوان أيضا.

-قال : “ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به”
-وقال : “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”.
-وفي الحديث “دخل الرجل الجنة في كلب سقاه، ودخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض”.

فبالأخوة والحب والرحمة لا يكون صراع أو بغضاء، بل المجتمع يعيش في نسيج متكامل قوامه الحب والرحمة والتعاون، الغني لا ينسى أخاه الفقير، والفقير لا يحقد على أخيه الغني بل يدعوا له لأنه لا يرى منه إلا روح الأخوة ولا تمتد إليه إلا يد الرحمة، ولكن حين تُنتزَعُ الرحمة من القلوب فيحل محلها الشحناء والبغضاء، وحينئذ لا تعرف البشرية طعم السعادة والهناء، بل لا تجني إلا التعاسة والشقاء.

موقف الإسلام من العنصرية أو القبلية؟

يقول فضيلة الدكتور محمد البهي –رحمه الله- عميد كلية أصول الدين الأسبق:
-الإسلام لا يَعرف قبَلِيَّةً، ولا تَفْرِقَةً عُنصرية أو شعوبية، ولا طبقية ولا طائفية؛ ولذا كانت دعوته هي دعوة التوحيد، أي هي الدعوة إلى الله وحده فوق الوُجود كله وصفاته تعالى هي: “المُثُل العُليا التي يجب على الإنسان المؤمن به أن يسعى في عبادته إيَّاه: أن يُحاكيَها في حياته ويتقرَّب منها بالاقْتداء بها.
-والرباط الذي يَربط به بين المؤمنين جميعًا هو رباط الإنسانية في مُستواها الواضح بما يُسميه القرآن الكريم: بحبل الله، كما جاء في قول الله تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا). “في الإيمان وفي مستوى الإنسانية واعتبارها”. (آل عمران: 103).

-والأُخُوَّةُ في الإيمان والإنسانية هي أُخوَّة المحبة المُتبادلة.. وأخوة التعاون والتضامن وإذا فرَّقتِ الخصومة بسببٍ مِن الأسباب بين اثنينِ فيَجب أن يَعُودَا إلى هذه الأُخوة ليُعالجوا منها أسباب الخُصومة والقتال إنْ وقع بينهم يومًا مَا.

-والصراع الطبقيُّ هو خُصومة بين مجموعتين في المجتمع تنشأ عن إنكار مجموعة لحقوق مجموعة أخرى في الحياة الإنسانية الكريمة وعن حِقْدِ ثانيتهما لأُولَاهُما بسبب الفجْوة الاقتصادية بينهما، أو بسبب ما يُسمَّى باستغلال أرباب العمل للطبقة العاملة في كدِّها وعمَلِها.

-وكلما تغاضَى أرباب العمل عن إنصاف الطبقة العامِلة، كلَّما زاد حِقْدُ هذه الطبقة عليهم، وكلما مارست من أسباب التقويض والتخريب لمَصالحهم ما يَعود عليهم بالضرر الكبير، وكلما لا ترى إلا التضييق عليهم في الحياة والعمل على تجميدهم إنْ لم يكن على إفنائهم ونهاية الصراع الطبقي إذنْ كحلِّ مشكلة العمال هو إفناء أرباب العمل وتخليص المجتمع منهم.

علاج الإسلام للصراع الطبقي؟

بينما الإسلام يحلُّ مثل هذه المشكلة بالتذكير بالأُخوَّة بين المؤمنين: (إنَّمَا المُؤمِنونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بينَ أَخَوَيْكُمْ). (الحجرات: 10).
وكذلك بتوفير الاعتبار البشري لكلِّ فرد في المجتمع، ومِن أركان توفير هذا الاعتبار البشري احترام حقِّه في الحياة الإنسانية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ). (الحجرات: 11).

وبالأُخُوَّةِ والمحبة، وليس بالحِقْد .. وبالبناء والتعاون فيه، وليس بالتخريب والتقويض يحلُّ الإسلام مَشاكل مُجتمعه؛ ولذا يُنكر ما يُسمَّى بالصراع الطبقي، لا لأنه يتَّخذ الحقْد طريقًا؛ بل لأنه مع ذلك يرى الغايةَ تُبَرِّرُ الوَسِيلَةَ.