السلام على غير المسلم
من آداب الإسلام إفشاء السلام مع المسلم وغير المسلم ، لأن أكثر النصوص التي وردت في السلام عامة ، أما ما ورد من حق المسلم على المسلم فلا ينفي حق غيره ، وكان اليهود يسلمون على النبي ﷺ فيردّ عليهم السلام . يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا –رحمه الله- : إن الإسلام دين عامٌّ ومن مقاصده نشر آدابه وفضائله في الناس ولو بالتدريج وجذب بعضهم إلى بعض ليكون البشر كلهم إخوة ، ومن آداب الإسلام التي كانت فاشية في عهد النبوة إفشاء السلام إلا مع المحاربين ؛ لأن من سلّم على أحد فقد أمّنه ، فإذا فتك به بعد ذلك كان خائنًا ناكثًا للعهد . وكان اليهود يسلمون على النبي ﷺ فيردّ عليهم السلام حتى كان من بعض سفهائهم تحريف السلام بلفظ ( السَّام ) أي : الموت فكان النبي ﷺ يحييهم بقوله : ( وعليكم ) وسمعت عائشة واحدًا منهم يقول له : السَّام عليك ، فقالت له : وعليك السام واللعنة ، فانتهرها عليه الصلاة والسلام مبينًا لها أن المسلم لا يكون فاحشًا ولا سبّابًا ، وأن الموت علينا وعليهم ، وروي عن بعض الصحابة كابن عباس أنهم كانوا يقولون للذمّيّ : السلام عليك . وعن الشعبي من أئمة السلف أنه قال لنصرانيّ سلم عليه : وعليك السلام ورحمة الله تعالى ، فقيل له في ذلك فقال : ( أليس في رحمة الله يعيش ) ، وفي حديث البخاري الأمر بالسلام على من تعرف ومن لا تعرف ، وروى ابن المنذر عن الحسن أنه قال : [ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا ] ( النساء : 86 ) فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا للمسلمين ، [ أَوْ رُدُّوهَا ] ( النساء : 86 ) لأهل الكتاب ، وعليه يقال للكتابيّ في رد السلام عين ما يقوله وإن كان فيه ذكر الرحمة ، هذه لمعة مما روي عن السلف . ثم جاء الخلف فاختلفوا في السلام على غير المسلم ، فقال كثيرون : إنهم لا يبدءون بالسلام ، لحديث ورد في ذلك ، وحملوا ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما على الحاجة ، أي : لا يسلم عليهم ابتداءً إلا لحاجة ، وأما الرّد فقال بعض الفقهاء : إنه واجب كردّ سلام المسلم وقال بعضهم : إنه سنة وفي الخانية من كتب الحنفية : ولو سلم يهودي أو نصراني أو مجوسي فلا بأس بالردّ ، وهذا يدل على أنه مباح عند هذا القائل لا واجب ولا مسنون مع أن السنة وردت به في الصحيح ، أما ما ورد من حق المسلم على المسلم فلا ينفي حق غيره ، فالسلام حق عام ويراد به أمران : مطلق التحية ، وتأمين من تسلّم عليه من الغدر والإيذاء وكل ما يسيء ، وقد روى الطبراني و البيهقي من حديث أبي أمامة : ( أن الله تعالى جعل السلام تحية لأمتنا ، وأمنًا لأهل ذمتنا ) ، وأكثر الأحاديث التي وردت في السلام عامة ، وذكر في بعضها المسلم كما ذكر في بعضها غيره، كحديث الطبراني المذكور آنفًا . أما جعل تحية الإسلام عامّة ، فذلك مطلوب ، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن اليهود كانوا يسلمون على المسلمين فيردون عليهم ، فكان من تحريفهم ما كان سببًا لأمر النبي صلى الله تعالى عليه والسلام بأمر المسلمين أن يردوا عليهم بلفظ ( وعليكم ) حتى لا يكونوا مخدوعين للمحرفين ، ومن مقتضى القواعد أن الشيء يزول بزوال سببه ، ولم يرد أن أحدًا من الصحابة نهى اليهود عن السلام ؛ لأنهم لم يكونوا ليحظروا على الناس آداب الإسلام . ولكن خلف من بعدهم خَلْفُ أرادوا أن يمنعوا غير المسلم من كل شيء يعمله المسلم ، حتى من النظر في القرآن ، وقراءة الكتب المشتملة على آياته ، وظنوا أن هذا تعظيم للدين ، وصَونٌ له عن المخالفين ، وكلما زادوا بُعدًا عن حقيقية الإسلام زادوا إيغالاً في هذا الضرب من التعظيم ، وإنهم ليشاهدون النصارى في هذا العصر يجتهدون بنشر دينهم ، ويوزعون كثيرًا من كتبه على الناس مجانًا ، ويعلمون أولاد المخالفين لهم في مدارسهم ليقربوهم من دينهم ، ويجتهدون في تحويل الناس إلى عاداتهم وشعائرهم ليقربوا من دينهم. ونرى القوم الآن يسعون في جعل يوم الأحد عيدًا أسبوعيًّا للمسلمين ، يشاركون فيه النصارى بالبطالة ، ومع هذا كله نرى المسلمين لا يزالون يحبون منع غيرهم من الأخذ بآدابهم وعاداتهم ويزعمون أن هذا تعظيم للدين ، وكأن هذا التعظيم لا نهاية له إلاّ حجب هذا الدين عن العالمين ، إن هذا لهو البلاء المبين ، وسيرجعون عنه بعد حين .
هل انتفعت بهذا المحتوى؟
اخترنا لكم
الإيمان وأثره في تحقيق النصر
شرح أسماء الله الحسنى وفضلها
من هدي الإسلام في العلاقة الجنسية بين الزوجين
نواقض الوضوء المتفق عليها
واجب المسلم تجاه السنة النبوية
الله أكبر ..وأثرها في سلوك المسلمين
المبشرات بانتصار الإسلام
صلاة قضاء الحاجة ودعائها: كما وردت في السنة النبوية
حديث فراسة المؤمن
المأثور من الذكر بعد صلاتي الفجر والمغرب
الأكثر قراءة