حفظ المال هو أحد الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة الإسلامية لحفظها وصيانتها، وقد وضعت الشريعة الإسلامية من الضمانات ما يكفل للناس الأمن على أرواحهم وأموالهم، ولم يقتصر الأمر على العقوبة الدنيوية فحسب، بل جاء الوعيد الشديد لكل من سولت له نفسه أن تمتد يده إلى الحرام وحسبنا قول الرسول الكريم –ﷺ- ” لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به” رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني.
ولكن من ذلت نفسه وغلبته شقوته فالواجب عليه أن يبادر بالتوبة ولا تقبل التوبة إلا بإرجاع الأمور إلى نصابها، ورد الحقوق لأصحابها، هذا بالنسبة لعين المال، ولكن إذا كان السارق أو الغاصب قد تاجر بهذا المال فالأمر يحتاج إلى تفصيل :
الربح الناتج عن التجارة بالمال المسروق أو المغصوب أو مال الوديعة مسألة اختلف فيها الفقهاء والراجح من أقوال الفقهاء أن الربح يكون مناصفة بين السارق أو الغاصب وصاحب المال؛ لأن المال لو تلف أو هلك في يده لوجب عليه الضمان فكذلك لو ربح المال في يده وهذا ما ذهب إليه المالكية والشافعية –في الأظهر- ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وتفصيل الأقوال في المسألة على النحو التالي:
ذهب الحنفية خلافا لأبي يوسف إلى أن الربح لا يطيب للسارق ولا لصاحب المال ولكن على الغاصب أو السارق أن يتخلص منه بالتصدق به. وعند المالكية والشافعية في الأظهر: أن الربح يكون للغاصب أو السارق وهذا الرأي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.
وعند الحنابلة: الربح يكون لصاحب المال ولا شيء للغاصب ولا للسارق..
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
الربح المختلف فيه، فمنه ما نتج عن التصرف فيما كان تحت يد الإنسان من مال غيره، سواء كانت يد أمانة كالمودع، أم يد ضمان كالغاصب وخلافه، وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوال:
فالحنفية على أن الربح لا يطيب لمن تصرف في المغصوب أو الوديعة، هذا عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف. ووجه ذلك عند أبي يوسف أنه حصل التصرف في ضمانه وملكه. أما الضمان فظاهر؛ لأن المغصوب دخل في ضمان الغاصب، وأما الملك؛ فلأنه يملكه من وقت الغصب إذا ضمن، وعند أبي حنيفة ومحمد أن التصرف حصل في ملكه وضمانه، لكنه بسبب خبيث؛ لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، وما هو كذلك فسبيله التصدق به، إذ الفرع يحصل على وصف الأصل، وأصله {حديث الشاة حيث أمر النبي ﷺ بالتصدق بلحمها على الأسرى}.
وأما عند المالكية والشافعية في الأظهر فالربح لمن تصرف في الوديعة وليس للمالك؛ لأنها لو تلفت لضمنها، وقال الشربيني الخطيب: لو اتجر الغاصب في المال المغصوب فالربح له في الأظهر، فإذا غصب دراهم واشترى شيئا في ذمته ونقد الدراهم في ثمنه وربح رد مثل الدراهم؛ لأنها مثلية إن تعذر عليه رد ما أخذه، وإلا وجب عليه رده بعينه، أما إذا اشترى بعينه فالجديد بطلانه.
وعند الحنابلة : الربح لصاحب الوديعة أو مالك المغصوب.
وجاء في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية:
المال المغصوب إذا عمل فيه الغاصب حتى حصل منه نماء: ففيه أقوال للعلماء: هل النماء للمالك وحده؟ أو يتصدقان به؟ أو يكون بينهما كما يكون بينهما إذا عمل فيه بطريق المضاربة والمساقاة والمزارعة وكما يدفع الحيوان إلى من يعمل عليه بجزء من دره ونسله أو يكون للعامل أجرة مثله إن كانت عادتهم جارية بمثل ذلك كما فعل عمر بن الخطاب لما أقرض أبو موسى الأشعري ابنيه من مال الفيء مائتي ألف درهم وخصهما بها دون سائر المسلمين ورأى عمر بن الخطاب أن ذلك محاباة لهما لا تجوز وكان المال قد ربح ربحا كثيرا بلغ به المال ثمانمائة ألف درهم فأمرهما أن يدفعا المال وربحه إلى بيت المال وأنه لا شيء لهما من الربح لكونهما قبضا المال بغير حق. فقال له ابنه عبد الله: إن هذا لا يحل لك ؛ فإن المال لو خسر وتلف كان ذلك من ضماننا فلماذا تجعل علينا الضمان ولا تجعل لنا الربح؟ فتوقف عمر.
فقال له بعض الصحابة: نجعله مضاربة بينهم وبين المسلمين : لهما نصف الربح وللمسلمين نصف الربح فعمل عمر بذلك .
وهذا مما اعتمد عليه الفقهاء في المضاربة وهو الذي استقر عليه قضاء عمر بن الخطاب ووافقه عليه أصحاب رسول الله ﷺ وهو العدل؛ بل يجعل الربح بينهما كما لو كانا مشتركين شركة مضاربة . وهكذا الذي يعمل على ماشية غيره أو بستانه أو أرضه حتى يحصل بمزروع أو در أو نسل؛ لكن من العلماء من لا يجوز العمل هنا بجزء من النماء وإنما تجوز عنده الإجارة.