العبادات نظام اختاره الله ووضَّحه الرسول؛ لنتقرب به إلى رب العزة سبحانه ، ولذلك يجب فيها الاتباع والالتزام ، وإذا كانت هناك حِكمة منصوص عليه لهذا النظام كان بها ، وإلا فإن عقل المؤمن يمكن أن يفكِّر ويستنبط الحِكْمة ، وقد يصيب فيها وقد يخطيء ، وَذَلِكَ لا يغيِّر من الحكم شيئًا .
ولَعَلَّ فِي كَوْنِ السجود في الصلاة مرتين والركوع مرة واحدة إرغامًا للشيطان ، وإظهارًا له أن ابن آدم الذي هو أبو البشر ، والذي أمره الله بالسجود تحيةً له واحترامًا ـ ابن آدم هذا أمره الله في الصلاة أن يسجدَ فَسَجَدَ ، وكان سجوده مرتين تأكيدًا لطاعته لله سبحانه ، وعدم استكبار عليه، كما استكبر إبليس ورفض أمر الله ، فتكرار السجود تأكيد للامتثال ، وذلك كما قال في التلبية : لبيك اللهم لبيك ، يعني إجابة بعد إجابة .
ومن أجل ظهور الخضوع له بقوة في السجود بكونه مرتين كان فضل الله عظيمًا للساجدين جاء في الحديث الذي رواه مسلم ” أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا من الدعاء ” .
ويُؤكد أن تكرار السجود فيه إغاظة للشيطان قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما رواه مسلم أيضًا ” إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول يا ويلاه ، أُمِرَ هَذَا بالسجود فَسَجَد ، وأُمرت أنا بالسجود فعصيت ، فلي النار ” ” الترغيب والترهيب للحافظ المنذري ج2 ص137 .
وإذا كان هذا حال الشيطان عندما يسجد ابن آدم لله سجدة واحدة إذا قرأ آية فيها سجدة ـ وربما لا تتيسر له هذه القراءة إلا في فترات متباعدة ـ فكيف يكون حال الشيطان في ذلته وحسرته إذا تكرر سجود ابن آدم في اليوم الواحد أربعًا وثلاثين مرة في الصلوات المفروضة بل يتكرر أكثر من ذلك إذا صلَّى النوافل ؟ ومن هنا نعلم أهمية السجود الذي جاء التعبير به أحيانًا عن الصلاة كلها .
فقد روى مسلم وغيره أن ثوبان مولى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سأله عن أحب الأعمال إلى الله ، أو عن عمل يدخله الجنة فقال له ” عليك بكثرة السجود ، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة ، وحطَّ عنك خطيئة ” وروى مسلم أيضًا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال لربيعة بن كعب ، لمَّا سأله الدعاء لله بمرافقته في الجنة ” فأعني على ذلك بكثرة السجود ” والمراد الصلاة .
وإذا كان الركوع مرة واحدة فهو كسائر أركان الصلاة يكون مرة واحدة في كل ركعة ، وذلك كله اقتداء بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ القائل ” صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي ” رواه البخاري.