كما أن للزوج على زوجته حقوقًا لا يجوز التفريط فيها شرعا ـ كذلك لوالديها حقوق من البِرِّ والإحسان، منها ما هو واجب يُعرض لعقوبة الله: ومنها ما هو مندوب لا عقوبة عليه، لكن حق الزوج مقدم على حق الوالدين، فقد رَوَى الحاكم وصححه البزار بإسناد حسن أن عائشة رضي الله عنها سألت الرسول ـ ﷺ: أي الناس أعظم حقًا على المرأة ؟ قال “زوجها” قالت: فأي الناس أعظم حقًا على الرجل؟ قال “أُمُّهُ.
ويمكن للزوجة أن توفق بين طاعتها لزوجها وطاعتها لوالديها دون إثارة مشكلات أو تعرض لعقوبات، ومن العِشرة بالمعروف التي أمر الله الزوج بها مع زوجته أن يُمَكِّنَهَا مِنْ بِرِّ وَالِدَيْها وصِلة رحمها، لكن ليست زيارتها لهما هي الوسيلة الوحيدة للبر والصلة، فقد يتم ذلك بمكالمة تليفونية أو إرسال خطاب مثلاً، أو بزيارة أهلها لها في بيت زوجها، وكل ذلك في نطاق المصلحة الزوجية، فإذا رأى الزوج أن زيارتها لأهلها تَضُرُّ الحياة الزوجية كان له منعها، ولو خرجت بدون إذنه كانت ناشزًا ، وليس منعه لها من زيارة أهلها معصيةً حتى نُبيح لها أن تخالفه، بناء على ما هو معروف من أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فالبر يحصل بغير زيارتها لأهلها، وقد يكون المنع في مصلحتها هي أيضًا، فلا يجوز لها أن تتمسك بهذه الزيارة وتعلق حياتها مع زوجها عليها، فذلك عناد يَجُرُّ إلى عناد أكبر قد تندم على نتيجته.
وبِحُسن التفاهم يمكن الرجوع من هذه الأزمة ، والوسائل لذلك كثيرة، وعلى الوالدين أن يساعدا ابنتهما على استقرار حياتها الزوجية بعد إثارة الزوابع التي تَعصف كل مَنْ تَعَرَّضَ لها أو تسبب فيها.
والأصل الذي يجب أن يُعلم هو أن الزيارة في حد ذاتها ليست ممنوعة، فقد أذن الرسول والصحابة لنسائهم بذلك، والمدار هو على تحقيق المصلحة وعدم المفسدة، مع مراعاة تقدم حق الزوج على الأبوين، والواجب يقدم على المندوب، والتحديد بمدة يُرجع فيه إلى العُرْفِ، ومخالفته لا ترقى إلى درجة التحريم وكلامهم هو في الأولى والأفضل.