الزنى بأم الزوجة من أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وحد الزاني بأم زوجته أن يقتل لأنه محصن، إلا أن يتوب إلى الله تعالى، واختلف الفقهاء في فراقه زوجته، وكثير من الفقهاء على أن الحرام لا يحرم الحلال، فالحياة الزوجية بينهما قائمة، أما مصيره في الآخرة فإلى ربه سبحانه وتعالى، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه.
قال الإمام ابن قدامة من فقهاء الحنابلة في كتابه المغني:
وقد اختلف أهل العلم في إيجاب تحريم الأم والبنت بوطء الزنا، فروى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين في رجل زنى بأم امرأته : “حرمت عليه امرأته”، وهو قول الحسن وقتادة; وكذلك قول سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وسالم بن عبد الله ومجاهد وعطاء وإبراهيم وعامر وحماد وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر والثوري والأوزاعي ولم يفرقوا بين وطء الأم قبل التزوج أو بعده في إيجاب تحريم البنت.
وروى عكرمة عن ابن عباس في الرجل يزني بأم امرأته بعد ما يدخل بها قال: ” تخطى حرمتين ولم تحرم عليه امرأته ” وروي عنه أنه قال: “لا يحرم الحرام الحلال” . وذكر الأوزاعي عن عطاء أنه كان يتأول قول ابن عباس ” لا يحرم حرام حلالا ” على الرجل يزني بالمرأة ولا يحرمها عليه زناه ; وهذا يدل على أن قول ابن عباس الذي رواه عكرمة في أن الزنا بالأم لا يحرم البنت لم يكن عند عطاء كذلك ؛ لأنه لو كان ثابتا عنده لما احتاج إلى تأويل قوله: ” لا يحرم الحرام الحلال “. وقال الزهري وربيعة ومالك والليث والشافعي: ” لا تحرم أمها ولا بنتها بالزنا ” . وقال عثمان البتي في الرجل يزني بأم امرأته قال: ” حرام لا يحرم حلالا، ولكنه إن زنى بالأم قبل أن يتزوج البنت أو زنى بالبنت قبل أن يتزوج الأم فقد حرمت ” ففرق بين الزنا بعد التزويج وقبله .انتهى
فقد كان من اللازم أن يحافظ الرجل على عرض أم زوجته كما يحافظ على عرض أمه وأخته وإذا كان الزنى بحليلة الجار يأتي في المرتبة الثالثة بعد الكفر بالله وقتل الولد خشية الإطعام فكيف إذا كانت الجريمة مع أم الزوجة، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله ﷺ: “أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك” متفق عليه .
وإنما كان الزنا بزوجة الجار بهذه المرتبة لأن الجار يتوقع من جاره الذود عنه وعن حريمه ويأمن بوائقه ويركن إليه، فالاعتداء على عرضه خيانة منكرة .
والزنا بالمحارم ليس كغيره، قال ﷺ: “من وقع على ذات محرم فاقتلوه” رواه ابن ماجه.
وعن البراء بن عازب قال: لقيت خالي ومعه الراية فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله ﷺ إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله” رواه الخمسة.
فهذا الرجل تزوج بامرأة أبيه وهي حرام عليه فأمر به النبي ﷺ أن يقتل، وأن يأخذ ماله غنيمة ….
وأما دخوله الجنة فإن تاب في الدنيا تاب الله عليه وإلا فهو في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له قال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (الفرقان: 67، 70) .