أختلاف وجهات النظر حول الذهاب للنوادي واللعب فيها:
بعض الناس يمتنع عن الذهاب إلى نادٍ به لعب بالنردشير(الطاولة) والشطرنج والورق (الكتشينة) يحضره النصارى؛ لعلمه أن هذه الألعاب حرام، ويعترض عليه البعض بأن هذه الألعاب ليست حرامًا؛ لأنها نافعة لما فيها من مجاملة أهل الكتاب باللعب معهم، وشحذ الخواطر وترويح النفس.
فنقول لمن اعتقد أن عملاً من الأعمال حرام وجب عليه تركه البتة إلا لعذر شرعي كالضرورة التي تبيح المحرم لذاته كأكل الميتة، والحاجة التي تبيح المحرم لعارض كرؤية الطبيب ما تحرم رؤيته من بدن المرأة أو الرجل، وإذا زال العذر عاد حكم التحريم كما كان.
وليست مجاملة أهل الكتـاب ولا المسلمين من الأعذار التي تبيح المحرمات، ومن توهم أن التهاون بأحكام الدين من أسباب الترقي فقد انقلبت الحقيقة في نظره إلى ضدها ، بل الإسراع إلى تغيير شعائر الأمة وآدابها وعاداتها التي تعد من مقوماتها أو مشخصاتـها هو الذي يحل روابطها ، ويمزق نسيج وحدتها ، فلا ينبغي لعاقل أن يتهاون في المحافظة على ما ذكر ، بل ينبغي مراعاة التدريج في ترك العادات الضارة إذا فشت في الأمة وصارت تعد من مميزاتها ، فهذا أول ما يجب التفكر فيه والاعتبار به في هذا المقام وهو مما يغفل عنه الناس، على أن المجاملة لا تنحصر في اللعب بما هو محرم ، ولا بما هو مباح أيضا .
ثم إن في المسألة بحث: هل الألعاب المذكـورة محرمة قطعًا وهي من الميسر أم لا؟
حكم اللعب بالنرد:
الجمهور على تحريمه إلا أبا إسحاق المروزي قال : يكره ولا يحرم ، وهو محجوج بحديث أبي موسى مرفوعًا في صحيح مسلم وسنن أبي داود وابن ماجه : ( من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله )، وعللوا ذلك بأنه كالأزلام يعول فيه على ترك الأسباب والاعتماد على الحظ والبخت فهو يضر بذلك ويغري بالكسل، والاتكال على ما يجيء به القدر ، أي فيه معنى الميسر المبني على الكسب بالحظ والنصيب دون العمل والجهد، وما أشد إفساد هذا في الأمم، وما أبعده عن الإسلام الذي يهدي أهله إلى الجـد والسعي والعمل، ولا يمكن التفصِّي من تحريم لعب النرد إلا إذا ثبت أن سبب النهي عنه أنهم كانوا يلعبون به على مال ؛ وأنه حرم لذلك ، وليس عندنا نص في ذلك ، وهو لا يكون من الميسر حقيقة إلا إذا كان اللعب على مال .
حكم اللعب بالشطرنج:
الأكثرون على أنه غير محرم ومنهم الشافعية، قال الشافعي: إنه لهو يشبه الباطل، أكرهه ولا يتبين لي تحريمه، وقـال النووي: إن أكثر العلماء على تحريمه وإنه مكروه عند الشافعي أي تنزيهًا، واشترط لتحريمه أن يكون على عوض، أو يفوت على اللاعب الصلاة اشتغالاً به عنها، ولا يوجد حديث يحتج به ناطق بتحريمه، وكل ما لا نص من الشارع على تحريمه فهو مباح لذاته؛ إذا لم يكن ضارًّا واستعمل فيما يضر، فـإن ترتب على فعل مباحٍ حرامٌ حُرِّم لهذا العارض لا مطلقًا، كأن يترك اللاعب بالشطرنج ما يجب عليه لله أو لعياله مثلاً .
حكم اللعب بالورق الكوتشينة :
ويدخل في ذلك اللعب بالورق: فإنه لا نص فيه من الشارع، ولكن قال بحرمته بعض الشافعية، وهؤلاء قد جعلوا للعب قاعدة فقالوا : إنه يحل منها ما فيه حساب وتفكر يشحذ الذهن كالشطرنج دون ما كان كالنرد أو كان من العبث، والحق أنه لا يحرم إلا ما كان ضارًّا كما تقدم آنفًا، ولا شك في كراهة الانهماك في اللعب والإسراف فيه .