لم يرد شيء في السنة يفيد أن الميت يستفيد من دفنه بجوار أحد الصالحين، على أن هناك من العلماء من ذهب إلى استحباب الدفن بجوار الصالحين، ولكن لا دليل صريحا لهم على فعلهم هذا، على أننا لا نجزم بانتفاع الميت بجاره الصالح أو تأذيه بجار السوء.
هل يجوز دفن أثنين في قبر واحد :
دفن المسلم بجانب المسلم في قبر واحد، لا يجوز ذلك، لأن الواجب أن يدفن كل مسلم في قبر على حدة ، إلا في حالات الضرورة.
قال ابن قدامة في “المغني” :
” وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ , إلَّا لِضَرُورَةٍ “
وقال الشيخ ابن عثيمين:
“المشروع بالاتفاق ألا يدفن مسلم مع آخر في قبر واحد، وإنما يدفن كل واحد وحده في قبره” انتهى .
“فتاوى نور على الدرب”.
الدفن بجوار أهل الصلاح:
أما كون الميت يتأثر بمن يدفن بجانبه، كأن يتأذى بجاره إذا كان من أهل العذاب، أو يسعد بجوار من كان من أهل النعيم، فلا نعلم دليلاً من السنة النبوية يدل على ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب:
“هذا الأمر يحتاج إلى توقيف وإلى نص من الشرع؛ أن الميت يتأذى بمن دفن معه إذا كان ممن يعذب في قبره، وهذا أمر لا أعلم عنه شيئاَ من السنة ، وإن كان بعض العلماء رحمهم الله يقولون: إن الميت قد يتأذى بجاره إذا كان يعذب، وقد يتأذى بفعل منكر عنده ، ولكن لم أجد دليلاً من السنة يؤيد هذا
أما ما رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين، فإن الميت يتأذى بجار السوء، كما يتأذى الحي بجار السوء). فهو حديث موضوع، انظر “سلسلة الأحاديث الضعيفة” للألباني.
وقال ابن حبان رحمه الله:
هذا خبر باطل، لا أصل له من كلام رسول الله ﷺ “كتاب المجروحين”.
وقد ذكر جماعة من العلماء استحباب الدفن بجوار الصالحين، ولم يذكروا دليلاً صريحاً على ذلك من السنة، وإنما هو مجرد استنباط من بعض الأحاديث، كما استنبط بعضهم ذلك من حديث: (أن موسى عليه الصلاة والسلام لَمّا حضرته الوفاة سأل ربه أن يُدْنِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ) متفق عليه.
وقد بوّب البخاري رحمه الله للحديث بقوله: ” بَاب مَنْ أَحَبَّ الدَّفْنَ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ أَوْ نَحْوِهَا
قال ابن بطال:
” ومعنى سؤال موسى أن يدنيه من الأرض المقدسة، والله أعلم، لفضل من دُفن في الأرض المقدسة من الأنبياء والصالحين، فاستحب مجاورتهم في الممات، كما يستحب جيرتهم في المحيا، ولأن الفضلاء يقصدون المواضع الفاضلة، ويزورون قبورها ويدعون لأهلها “ “شرح ابن بطال”.
وقال النووي:
” وَفِي هَذَا اِسْتِحْبَاب الدَّفْن فِي الْمَوَاضِع الْفَاضِلَة وَالْمَوَاطِن الْمُبَارَكَة, وَالْقُرْب مِنْ مَدَافِن الصَّالِحِينَ “
ولا يخفى أن الحديث ليس صريحاً في ذلك، ولهذا أخذ منه الإمام البخاري رحمه الله استحباب الدفن في الأرض الفاضلة، ولم يستنبط استحباب الدفن بجوار الصالحين.
وقد ورد عن غير واحد من السلف وأهل العلم الوصية بالدفن بجوار بعض الصالحين:
فأوصى ابن مسعود أن يدفن بجنب قبر عثمان بن مظعون رضي الله عنهما. “الثقات لابن حبان” .
وأوصى غالب بن جبريل صاحب الإمام البخاري أن يدفن إلى جنب البخاري. “المتفق والمفترق”.
وأوصى أبو بكر الخطيب الحافظ أن يدفن إلى جانب بشر بن الحارث .”تاريخ دمشق”.
فمن اقتدى بهؤلاء العلماء والأئمة وأوصى أن يدفن بجوار فلان من الصالحين فلا ينكر عليه – وإن كنا لا نجزم أنه ينتفع بذلك – لعدم ورود شيء من السنة يثبت ذلك.
غير أن المنكر الذي يجب إنكاره، ونهي الناس عنه: أن يوصى بدفنه في مكان معين، أو بجوار فلان، يبركاً بهذا الميت، وأنه سينفعه بذاته، أو يشفع له عند الله.
فهذا لا أصل له، وهو اعتقاد فاسد، قد يحمل الناس على سوء العمل، اتكالاً على شفاعة فلان من الناس.
ما الذي يسعد المسلم في قبره:
الذي يجب على المسلم أن يهتم به هو الاستعداد للموت، وإصلاح العمل، الذي سيكون أنيسه في القبر.
روى البخاري ومسلم عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ: يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ).
وقال سلمان رضي الله عنه : (إِنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْإِنْسَانَ عَمَلُهُ) رواه مالك في الموطأ.
فلن يشفع للمرء حسن الجوار مع سوء العمل، كما أنه لا يضره سوء الجوار إذا حسُن عمله.