شيء طبيعي أن يخاف الإنسان الموت ، وأن يفر بعيدا عنه ، فتلك طبيعة بشرية جبل عليها الإنسان ، وفطر عليها ، فحب الحياة من الغرائز المفطورة في نفوس البشر.
ولكن من رحمة الله تعالى أن جعل علم الموت خاصا به ، لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى ، قال تعالى :”إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت”.
وكم من الأطباء الذين قالوا لمرضاهم : لن تعيش أكثر من كذا يوم أو كذا شهر ، لحسابات طبية محسوسة معلومة ، ولكن الله تعالى قضى شيئا آخر.
وكما قال الشاعر :
وكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
ومن الواجب أن يسلم المسلم لأمر الله تعالى وقدره ، وأن يعلم أن الغيب لا يعلمه إلا هو، كما قال تعالى على لسان رسوله :”ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء.
وسيطرة هذا الشعور الخوف من الموت فيه نوع من القنوط من رحمة الله ، والاستسلام لليأس ، وكلها أمور نهى عنها الشرع ، بل يلفت أنظارنا قول النبي ﷺ :”إذا قامت القيامة ، وفي يد أحد فسيلة ، فإن استطاع أن يزرعها ،فليزرعها”، والنبي ﷺ بهذا القول يبث الأمل في نفوس أمته ، فماذا يجدي زرع الفسيلة ،وهي النخلة الصغيرة ، والناس سيحشرون إلى ربهم .
فالواجب على المسلم طرد هذه الوساوس ، وأن يعيش حياته كبقية البشر حياة طبيعية ، فالموت لا يشترط فيه أن يسبق بإذن،(فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)، وهو مع هذا شيء اختص الله تعالى به نفسه .
كما على المسلم أن يصبر لقضاء الله تعالى وقدره ، وأن يتقبله بصدر رحب ، وبرضا ، فمن صبر ورضي ، رضي الله عنه ، ومن سخط فله السخط .
وقد عالج الإسلام الخوف من الموت ، بالاستعداد له ، فكل الناس سيموتون ، ومن هنا ، فمن الفطنة الاستعداد للموت ، وقد يجيء في أية لحظة من لحظات الحياة ، وكما أخبر المعصوم ﷺ :”من أحب لقاء الله ، أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله ،كره الله لقاءه”، وقد مات أشرف الخلق على الله ، وهم الأنبياء ، وقد كتب الله تعالى على عباده الموت ، وكتب لنفسه البقاء ، فقال تعالى:”كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون “.
وكم يعيش الإنسان من العمر الطويل ،ولكنه بعدها يموت ، وينتقل إلى حياة البرزخ ، ثم إلى الحياة التي لا موت فيها بعد الحساب ، فإن كان الإنسان يخاف من الموت ،فإنه سيجيء له يوم لا يموت فيه ،ولكن عليه أن يسعى أن يكون سعيدا يوم لا موت.
وإن كان هناك خوف ، فليكن خوفا من الله تعالى، لا خوفا من شيء من مخلوقاته ، وهو الموت ، مع الاستعداد له بالعمل الصالح ، ولكن حقيقة ميعاده لكل إنسان مستور على العيون والعقول .
يضاف إلى كل هذا أن ما يراه الإنسان في النوم ، قد يكون حديث نفس ، وقد يكون حلما ووسوسة منامية من الشيطان ،يستعيذ الإنسان بالله من شرها ،ولا تكون الأحلام هي التي تقود سفينتنا في الحياة ،بل وقد تحدد مصائرنا، لأن هذا من قدر الله تعالى .
يقول الدكتور إيهاب خليفة:
قد تكون هذه الأفكار علامة أيضًا عن الإصابة بمرض القلق والتوتر والذي له درجات مختلفة، وقد يحتاج لتناول بعض المهدئات البسيطة ومضادات القلق (غير القابلة للإدمان) تحت إشراف الطبيب النفسي، وقد يلزم الاستعانة أيضًا بأحد الأطباء النفسيين إذا صاحب هذا القلق أعراض أخرى، مثل : الأرق الشديد والأعراض الجسمانية المتكررة التي ليس لها سبب عضوي.أ.هـ
ويقول الدكتور محمد أبو رحيم من علماء السعودية :
الخوف من الموت : مرض يعتري الإنسان من الموت على سبيل العموم ، ومن الظواهر المتفرعة عنه : الخوف من الدفن حيا ، ومن رؤية الدم ، ومن حالات الإغماء ، ومن منظر الأموات والجثث.
والمصاب بهذا المرض يتحاشى رؤية هذه المخاوف ، ويتجنب المشاركة في الدفن والذهاب مع الجنازات ، بل ويخشى من ذكر الموت لأنها تشترك مع حقيقة الموت ، وتوحي بشيء أليم في النفس الإنسانية .
وقد فرق علماء النفس بين هذا الخوف وبين قلق الموت من جهة العموم والخصوص ، حيث خصصوا قلق الموت بخشية الإنسان من موته هو .
وقد وصف الله سبحانه وتعالى أمثال هؤلاء فقال : ” يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت ” وقال تعالى : ” ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت “.
أسباب الخوف من الموت : –
إذا سألت أي إنسان عن سبب خوفه من الموت فلا يخرج جوابه عن الأمور التالية :
1- غموض حقيقة الموت.
2- الشعور بالخطيئة من الذنوب والمعاصي.
3- الافتراق عن الأحبة والملذات والآمال.
4- انحلال الجسد وفقدان القيمة الاجتماعية والمعنوية واستحالته إلى شيء مخيف وكريه.
طرق علاج الخوف من الموت : –
إن التوصل إلى تخليص المريض من الخوف نهائيا أمر مستحيل لأن الخوف فطري ، لهذا كان القصد من العلاج إنما التخفيف من الخوف بتجريد الموت من معظم ما فيه من الآلام النفسية.
ولما كانت الأسباب المتقدمة هي أهم المنبهات كان من الضروري اللجوء إلى تحليل هذه الأسباب وتوضيحها وتعليلها لإسقاطها من ذهن المصاب والانتقال إلى مرحلة الإقناع بمجابهة حقيقة الموت بالرضى والقبول.
وليسأل كل مسلم نفسه :
هل الموت من لوازم الحياة الإنسانية ؟ أو هل يمكن التخلص منه ؟
والجواب بدهي بالطبع ، إذ ليس من عاقل يعترض على كون الموت أمرا حتميا ، وضريبة على كل كائن حي .
قال تعالى : { كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون }.
وقال تعالى: { قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل }.
وقال تعالى: { قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم } .
مادام الأمر كذلك فلماذا أخاف من الموت ؟
هل لأنه يعني الفناء؟
أو لأنه يعني الانتقال من حياة دنيا إلى حياة أخرى.
فالموت في نظر العقلاء والمؤمنين انتقال من مرحلة مؤقتة إلى حياة أخروية دائمة.
وإذا كان كذلك فأي معنى بقي لفكرة انحلال الجسد واستحالته إلى تراب وعظام؟
إن كثيرا من الناس تشكل أجسادهم عبئا نفسيا عليهم ، فيلجأ بعضهم إلى أطباء التجميل رغم ما يعتوِر أفعالهم من آلام مبرحة تلحق الأجساد ، فكيف يكون شأن من أجريت له عملية تجميل دون أي شعور بألم ؟ ! .
وقد يسأل سائل متى ذلك؟
نعم يكون ذلك يوم البعث ، يوم يبعث الناس جميعا ، ويخص الله المؤمنين بتحسين الوجه والهيئة ، تبارك الله أحسن الخالقين .
قال تعالى واصفا وجوه المؤمنين : ” وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ” .
وقال تعالى : ” فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا ” .
وقال تعالى : ” تعرف في وجوههم نضرة النعيم ” .
والنضرة حسن يلحق بالوجه .
وقد يقول قائل : إن الموت يحمل معه فكرة الفراق والحرمان من مشاهدة الأحبة والالتقاء بهم . وهذا يعني فقدان التوازن النفسي للإنسان .
أقول : نعم ، ولكنه بعد الموت.
ولو سألت ميتا منذ آلاف السنين بعد بعثه كم لبثت؟
ليقولن يوما أو بعض يوم .
فراق هذا شأنه لا ينبغي أن يترك خوفا في النفس من الموت ، بل غاية ما يتركه دمعة حزن تحمل الرحمة وطلب المغفرة.
فقد بكى النبي -ﷺ-على سعد بن عبادة فقال : (( ألا تسمعون ؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا – وأشار إلى لسانه – أو يرحـم )) .
وبكى النبي – ﷺ – على ولده إبراهيم فقال له عبد الرحمن بن عوف –رضي الله عنه-:
وأنت يا رسول الله ؟ فقال ( يا ابن عوف إنها رحمة.إن العين تدمع ، والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا و إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) .
فالفراق يترك الحزن في النفس ولا ينبغي له أن يترك الخوف من الموت.
فراق مؤقت يتبعه لقاء يوم القيامة،لقاء يعقبه محبة ولقاء يعقبه لعنة وفراق أبدي.
أما لقاء المؤمنين فهو لقاء محبة وأنس ،وأما لقاء الكافرين والفاجرين والفسقة فهو لقاء بغضاء ولعنة وتبرؤ . قال تعالى : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } .
وهناك مندوبات ومستحبات تُسهم في تخفيف من عبء الخوف من الموت على النفس الإنسانية:
1- ذكر الموت بزيارة القبور والمشاركة في الجنازات ، قال رسول الله – صلىّ الله عليه وسلّم- (أكثر ذكر هادم اللذات).
2- تعريض المصاب لرؤية الجنائز والأموات والجثث والدماء ومناظر الإغماء يسهم في التغلب على هذه المخاوف الطبيعية ، وهي من الوسائل التربوية لكثير من أصحاب المذاهب الحديثة في التربية.
يقول أحد علماء النفس : ( افعل الشيء الذي تتهيبه فإذا موت الخوف محقق).
وقد قيل : (اطلب الموت توهب لك الحياة ).
3- القيام برحلات طويلة منفردة للقضاء على الخوف من الفراق والذي يحمل معه دائما فكرة الموت وهذا جائز للضرورة .
وقد علق ابن حجر رحمه الله-على قول النبي-ﷺ-: ((لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحدة)).
فقال : (( وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة))
ولما كانت الضرورة تقضي بالسفر لا مانع من ذلك شريطة عدم وقوع ضرر أكثر من الخوف المطلوب علاجه.
4- المعالجة بطريقة العزل في بيوت الصحة منفردين عن عائلاتهم،وهي طريقة -واير ميتشل -.
ويماثل هذه الطريقة ما يقوم به الآباء من جعل غرف نوم خاصة لأطفالهم الصغار بعيدة عنهم حيث تعطي هذه الطريقة أُكلها باعتماد الطفل على نفسه وتخفف من وقع فراقه لأمه حتى يصبح الفراق أمرا طبيعيا.