لا يجوز للمرأة أن تطيع زوجها في معصية الله تعالى حيث لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما لا يجوز لها أن تخلع الحجاب خشية الاضطهاد إلا إذا تيقنت من الخطر على نفسها أو زوجها خطرا حقيقيا وليس متوهما ولا سبيل أمامها لترك هذا المكان الذي تضطهد فيه.
هل يجوز طاعة الزوج في نزع الحجاب:
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:
حجاب المرأة مفروض بالكِتاب والسُّنّة، وإذا كان الله ورسوله قد أمرا به فلا يتوقَّف التنفيذ على إذن أحد من البشر، والزّوج الذي يأمر زوجته بخلعه عاصٍ؛ لأنه يأمرها بمعصية، كقوله لها لا تصلِّي ولا تصومي، وذلك إثمٌ عظيم؛ لأنّه يأمر بالمنكر، وبالتالي يحرّم على الزوجة أن تُطيعه في ذلك، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وطاعة الزّوجة لزوجِها في المقصود الأصلي من الزواج، وهو المتعة ورعاية البيت والاستقرار فيه، ولا سلطانَ عليها فيما عدا ذلك، من الأمور العامّة التي يشترك فيها الرجال والنِّساء، فالله هو الذي يأمر وينهى.
ولا يُقال: إنها مُكرهَة على ذلك فتُعفَى من المسؤولية، فغاية عصيانِه أنه سيطلقها ورزقها ليس عليه بل على الله سبحانَه، وسيُهيِّئ لها مَن يَرعاها ويَحميها في غير هذا البيت الذي تُنْتَهك فيه حُرُمات الله، ولا خوف على أولادها منه، فهو المتكفِّل بالإنفاق عليهم وعلى أمِّهم الحاضنة لهم.
لتعلم الزوجة أنها لو أطاعته في خلع الحجاب ـ وهو عنوان الشّرف والعَفاف ـ فسيسهُل عليها طاعتُه فيما هو أخطر من ذلك؛ لأن مثل هذا الزوج لا غيرةَ عنده ولا كرامة وستجرُّه المدنيّة إلى تجاوز حدود الدين حتى لا يُعاب بالرجعيّة إن لم تكن زوجته مجارية للعُرف الحديث بما فيه من أمور يأباها الدين.
فليتقِّ اللهَ أمثالُ هذا الزّوجِ، وليحمِدوا ربهم أن أعطاهم زوجاتٍ عفيفاتٍ محافظاتٍ على شرفِهن وعلى شرفِهم، ولا يستهينوا بسفور الزّوجة زاعمين أنه شيء بسيط، فإن معظم النار من مستصغَر الشرر.
هل يجوز للعروس خلع الحجاب ليلة الزفاف:
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام: خلع العروس حجابها ليلة الزفاف حَرام ما دام هناك أجنبي، فلم يرد الشرع ولم يقل أحد من العلماء باستثناء هذه المناسبةِ، ولا يجوز أن نطوِّع الدين لهذا السلوك الوافد علينا ممن لا يَدينون بالإسلام، فقد كانت العروس تظهر بكامل زينتِها في الماضي البعيد والقريب ما دام المحتفِلون بها هم النِّساء والأقارب المحارم كالأبِ والأخ والعم والخال، وذلك بمَعزِل عن الرجال والأجانب.
وما يُعمل الآن في الأماكن التي يختلط فيها الرِّجال مع النساء دون التزام بالحجاب الشرعي لا يُقرُّه الإسلام، ومن شارَك فيه فهو مُخطئ مهما كانت شخصيته، ولا ينتظرنَّ أحد أن يُفْتِيَ عالم ديني بجوازِه للضرورة أو الحاجة، فليستْ هناك ضرورة ولا حاجة، والزوجة للزوج لا لغيره، وزينتُها له لا لغيره، ومن خَرج على حدود الدِّين فهو آثم، والحلال بَيِّن والحرام بَيِّن، ولأن يُرتكب الحرام على أنه حَرام أخفُّ من أن يُرتكب على أنه حَلال، وإن كان الكلُّ عِصيانًا لله، وعِصيانٌ يُفضِي إلى توبة أخفُّ من عِصيان يُفضي إلى كُفْر انتهى كلام الشيخ .
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق:
يقول فضيلة الشيخ جعفر الطلحاوي من علماء الأزهر :
فإنه “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق” ، وأيضا في الحديث: “إنما الطاعة في المعروف”.
والحجاب فريضة، لقوله تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) الأحزاب 59 ،
ولقوله تعالى: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور 30 -31.
بهاتين الأيتين الكريمتين: أوجب الله تعالى الحجاب على المرأة المسلمة ، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) الأحزاب 36 .
ولئن أغضب الزوج ارتداء الحجاب: ففيه مرضاة لله تعالى ، ولا بد للمسلم والمسلمة من أن يجعل رضاه في رضى الله، وغضبه فيما يغضب الله ، “ومن أرضى الله بسخط الناس: رضي الله عنه، وأرضى عليه من سخط عليه من الناس، ومن أسخط الله برضا الناس: سخط الله عليه، وأسخط عليه من رضي عليه من الناس” أو كما قال رسول الله ﷺ.
ولئن كانت الوطأة (المحنة) شديدة على المسلمين المغتربين؛ فتلك من الفتن والابتلاءات التي لا تقابل أو تعالج برفع الحجاب أو التحلل من أوامر الله، ولكن بالثبات وشدة الالتزام، فمن كان مع الله: كان الله معه، قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)العنكبوت، :2،3، ومن أداب البلاء والمحن: الصبر والثبات والاحتساب.
أتى خباب بن الآرت إلى النبي ﷺ وقد كان في ظل الكعبة متوسدا بردته، قائلا: يا رسول الله ألا تستنصر لنا؟ ألا تدع الله لنا؟ فقال النبي ﷺ: “قد كان يؤتى بالرجل ممن قبلكم، فتحفر له الحفرة فيوضع فيها ويؤتى بالمنشار فيوضع في مفرق رأسه فيشق نصفين ويمشط بأمشاط الحديد، ما بين عظمه ولحمه، فما يصده ذلك عن دين الله، والذي نفسي بيده: ليتمن الله هذا الأمر ، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت: لا يخاف إلا الله ، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون.
كيف تتعامل الزوجة مع زوجها إذا طلب خلع الحجاب:
على الزوجة أن تراجع زوجها بلطف ولين، ولتبشره بالأجر العظيم ، والثواب الجزيل بالصبر على أمر الله تعالى ، والاستقامة على منهج الله تعالى مهما كانت التضحيات، والنصر آت لا محالة ولكن مع الصبر، والفرج مع الكرب قال تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) غافر 51 ، وقوله تعالى :( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ) الأنعام 34 ،
هل الحجاب فرض أم سنة:
يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة :
فرض الله سبحانه على المرأة أن تلبَس ما يستُر عورتها، كما فرض عليها أن لا تُبدِي هذه العورة لمَن لا يَحِل النظر إليها من الرجال الأجانب عنها، إلا لضرورة أو حاجة، كإبدائها عند مُداواتها أو الكشف عليها، أو فحصها، أو توليدها، أو الشهادة لها أو عليها، أو الحكم لها أو عليها، أو خِطْبتها، أو غير ذلك مما أباح لها الشارع إبداءَ عورتها من أجله، قال، تعالى: (وقُلْ للمؤمناتِ يَغْضُضْنَ من أبصارِهِنَّ ويَحفَظْنَ فُروجَهُنَّ ولا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا ما ظهرَ منها) النور 31
فقد نهى الحق سبحانه في الآية النساءَ عن إبداء ما خَفِي من زينتهن، والنهي عن إبداء الزينة نهي عن إبداء مواضعها من أبدانهن بالأَوْلى؛ لأنها واقعة على مواضع من البدن لا يَحِل النظر إليها من الرجال الأجانب عنهن، وقد استثنى الشارع من حُرْمة إبداء هذه الزينة، الزينة الظاهرة، على خلاف بين المُفَسِّرين في تأويلها، فمنهم مَن قال: إنها ظاهر الثياب، ومنهم من قال: هي الكحل والخاتم، ومنهم مَن قال غير ذلك، وإن كان حديث ابن عباس في الخثعمية التي جاءت تستفتي رسول الله ـ ﷺ ـ في الحج عن أبيها، يفيد أن المستثنى من بدن المرأة هو الوجه والكفَّان، فلا يجب عليها سترهما، إلا أنه يَحرُم النظر إليهما من الرجال الأجانب عنها إلا لضرورة أو حاجة.
ما حكم كشف الشعر للمرأة:
توعَّد الشارع مَن تُبدي عورتها ولا تستُرها بالعذاب الأليم، فقد رُوِيَ عن أبي هريرة أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال: “صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيَات عارِيَات، مُميلات مائلات، رؤوسهُنَّ كأسنمة البُخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدنَ ريحها، وإن ريحها ليُوجَد من مسيرة كذا وكذا”.
ففي هذا الحديث وعيد شديد للنساء المتبرِّجات، اللاتي يبدين عوراتهن ولا يَستُرْنَها، فإذا تبيَّن هذا، وأن ستر المرأة عورتها فرض، فليس لها أن تطيع أحدًا ـ زوجًا كان أو غيره ـ في ترك هذا الفرض، بعدم ارتداء الحجاب؛ لأن الشارع إنما أوجب على الزوجة طاعة زوجها فيما يتعلق بأحكام عقد النكاح، كالقرار في منزل الزوجية، وعدم الخروج منه إلا بعد استئذان الزوج، وعدم استقبال أحد في هذا المنزل إلا بإذن الزوج، وعدم الامتناع عنه إن أرادها، إلى غير ذلك من أحكام عقد النكاح.
حدود طاعة الزوجة لزوجها:
ولم يوجِب الشارع على الزوجة طاعة الزوج مطلقا، فإن أمرها بما يُعَدُّ معصية لله سبحانه وتعالى، فليس لها أن تُطِيعه، كأن يأمرها بمُقاطَعة أهلها، أو عدم ارتداء الحجاب، أو استقبال الرجال الأجانب في غَيْبته أو حضوره ومُجالستها لهم، وذلك لأن ما أمرها به هو معصية لله سبحانه، وقد روي عن علي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال: “إنما الطاعة في المعروف” وما أمر الزوج به زوجتَه مما سبق ليس من المعروف في شيء، فليس يجب عليها طاعته أو طاعة غيره فيه، فضلًا عن هذا فإن الزوج الذي يأمر زوجته بعدم ارتداء الحجاب ديُّوث، لا يغار على زوجته، والديُّوث ملعون، فقد روي عن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال: “ثلاث لا ينظرُ الله ـ عز وجل ـ إليهم يوم القيامة: العاقُّ لوالديه، والمرأة المتَرَجِّلة، والديُّوث”، وفي رواية أخرى: “ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاقُّ والديه، والديُّوث، ورَجُلة النساء
وأمر الزوج زوجته بخلْع الحجاب أوعدم ارتدائه ليس من المُعاشَرة بالمعروف التي أمر الله ـ تعالى ـ بها كلًّا من الزوجين، حيث قال سبحانه: (وعاشِرُوهنَّ بالمعروفِ)، وقال، تعالى: (ولهنَّ مِثْلُ الذي عليهِنَّ بالمعروفِ)، فمثل هذا الزوج لا يكون أمينًا على زوجته، فضلًا عن إساءته معاشرتها، وذلك سبب كافٍ للتفريق بينهما قضاءً إذا طلبتْه هذه الزوجة.